الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: البحر الرائق شرح كنز الدقائق ***
الأكل إيصال ما يحتمله المضغ بفيه إلى الجوف مضغ أو لم يمضغ كالخبز واللحم والفاكهة ونحوها، والشرب إيصال ما لا يحتمل المضغ من المائعات إلى الجوف مثل الماء والنبيذ واللبن والعسل فإن وجد ذلك يحنث، وإلا فلا يحنث إلا إذا كان يسمى ذلك أكلا أو شربا في العرف والعادة فيحنث فإذا حلف لا يأكل كذا أو لا يشرب فأدخله في فيه، ومضغه ثم ألقاه لم يحنث حتى يدخله في جوفه؛ لأنه بدون ذلك لا يكون أكلا وشربا بل يكون ذوقا، ولو حلف لا يأكل هذه البيضة أو لا يأكل هذه الجوزة فابتلعها قال قد حنث لوجود حد الأكل، وهو ما ذكرنا، ولو حلف لا يأكل عنبا أو رمانا فجعل يمصه ويرمي تفله ويبتلع ماءه لم يحنث في الأكل، ولا في الشرب؛ لأن ذلك ليس بأكل، ولا شرب بل هو مص، وإن عصر ماء العنب فلم يشربه، وأكل قشره وحصرمه فإنه يحنث؛ لأن الذاهب ليس إلا الماء، وذهاب الماء لا يخرجه من أن يكون آكلا له ألا ترى أنه إذا مضغه وابتلع الماء أنه لا يكون آكلا له بابتلاع الماء بل بابتلاع الحصرم فدل أن أكل العنب هو أكل القشر والحصرم منه، وقد وجد فيحنث. وقال هشام عن محمد في رجل حلف لا يأكل سكرا فأخذ سكرة فجعلها في فيه فجعل يبتلع ماءها حتى ذابت قال لم يأكل؛ لأنه حين أوصلها إلى فيه وصلت، وهي لا تحتمل المضغ، وكذلك روي عن أبي يوسف فيمن حلف لا يأكل رمانة فمص رمانة أنه لا يحنث، ولو حلف لا يأكل هذا اللبن فأكله بخبز أو تمر أو حلف لا يأكل من هذا العسل فأكله بخبز يحنث؛ لأن اللبن هكذا يكون، وكذلك الخل؛ لأنه من جملة الإدام فيكون أكله بالخبز كاللبن فإن أكل ذلك بانفراده لا يحنث؛ لأن ذلك شرب، وليس بأكل فإن صب على ذلك الماء ثم شربه لا يحنث في قوله لا آكل لعدم الأكل ويحنث في قوله لا أشرب لوجود الشرب، وكذلك إن حلف لا يأكل هذا الخبز فجففه ثم دقه وصب عليه الماء فشربه لا يحنث؛ لأن هذا شرب لا أكل فإن أكله مبلولا أو غير مبلول يحنث؛ لأن الخبز هكذا يؤكل عادة، وكذلك السويق إذا شربه بالماء فهو شارب، وليس بآكل كذا في البدائع، ولم يذكر المصنف الذوق، وهو معرفة الشيء بفيه من غير إدخال عينه ألا ترى أن الأكل والشرب مفطر لا الذوق كذا في الكافي. ولذا قال في الظهيرية لو حلف لا يذوق في منزل فلان طعاما، ولا شرابا فذاق فيه شيئا أدخله في فيه، ولم يصل إلى جوفه حنث ويمينه على الذوق حقيقة إلا أن يكون تقدمه كلام وبيان ذلك أن يقول له غيره تعال تغد عندي اليوم فحلف لا يذوق في منزله طعاما، ولا شرابا فهذا على الأكل والشرب، وعن محمد فيمن حلف لا يذوق الماء فتمضمض للصلاة لا يحنث؛ لأن هذا لا يراد بذكر الذوق. ا هـ. وفي المحيط حلف لا يأكل، ولا يشرب فذاق لا يحنث ولو حلف لا يذوق فأكل أو شرب حنث؛ لأن في الأكل والشرب ذوقا وزيادة. ا هـ. وسيأتي بيان اللبس والكلام إن شاء الله تعالى. (قوله: لا يأكل من هذه النخلة حنث بثمرها)؛ لأنه أضاف اليمين إلى ما لا يؤكل فينصرف إلى ما يخرج منه؛ لأنه سبب له فيصلح مجازا عنه والثمر بالمثلثة ما يخرج منها فيحنث بالجمار والبسر والرطب والتمر والطلع والدبس الخارج من ثمرها والجمار رأس النخلة، وهي شيء أبيض لين والطلع ما يطلع من النخل، وهو الكم قبل أن ينشق ويقال لما يبدو من الكم طلع أيضا، وهو شيء أبيض يشبه بلونه الأسنان وبرائحته المني كذا في المغرب، وقيد بالثمر؛ لأنه لا يحنث بما تغير بصفة حادثة فلا يحنث بالنبيذ والناطف والدبس المطبوخ والخل؛ لأنه مضاف إلى فعل حادث فلم يبق مضافا إلى الشجر ويحنث بالعصير؛ لأنه لم يتغير بصنعة جديدة، ولو لم يكن للشجرة ثمرة ينصرف اليمين إلى ثمنها فيحنث إذا اشترى به مأكولا وأكله. وأشار بقوله بثمرها إلى أنه لو قطع غصنا منها فوصله بشجرة أخرى فأكل من ثمر تلك الشجرة من هذا الغصن أنه لا يحنث، وقال بعضهم يحنث، وإلى أنه لو تكلف، وأكل من عين النخلة لا يحنث قالوا، وهو الصحيح كذا في المحيط. وأشار بالنخلة إلى كل ما لا يؤكل عينه فلو حلف لا يأكل من هذا الكرم فهو على عنبه وحصرمه وزبيبه وعصيره، وفي بعض المواضع ودبسه، والمراد عصيره فإنه ماء العنب، وهو ما يخرج بلا صنع عند انتهاء نضج العنب، وقيد بما لا يؤكل عينه؛ لأنه لو حلف لا يأكل من هذه الشاة فإنه يحنث باللحم خاصة، ولا يحنث باللبن والزبد؛ لأنها مأكولة فينعقد اليمين عليها. وكذا لو حلف لا يأكل من هذا العنب فإنه لا يحنث بزبيبه، وعصيره؛ لأن حقيقته ليست مهجورة فيتعلق الحلف بمسمى العنب، وأطلق المصنف، ولم يقيد بالنية للإشارة إلى أنه عند عدمها فلو نوى أكل عينها لم يحنث بأكل ما يخرج منها؛ لأنه نوى حقيقة كلامه كذا في المحيط وينبغي أن لا يصدق قضاء؛ لأن المجاز صار متعينا ظاهرا فإذا نوى بخلاف الظاهر لا يقبل، وإن كان حقيقة، وله شواهد كثيرة. (قوله: ولو عين البسر والرطب واللبن لا يحنث برطبه وتمره وشيرازه بخلاف هذا الصبي، وهذا الشاب، وهذا الحمل)؛ لأن صفة الرطوبة والبسورة داعية إلى اليمين، وكذا كونه لبنا فيتقيد به فإذا حلف لا يأكل هذا البسر فأكله بعدما صار رطبا أو حلف لا يأكل هذا الرطب فأكله بعدما صار تمرا يعني يابسا، وهو بالتاء المثناة أو حلف لا يأكل هذا اللبن فأكله بعدما صار شيرازا أي رائبا، وهو الخاثر إذا استخرج ماؤه فإنه لا يحنث في هذه المسائل الثلاث بخلاف ما إذا حلف لا يكلم هذا الصبي أو الشاب فكلمه بعدما شاخ فإنه يحنث؛ لأن هجران المسلم بمنع الكلام منهي عنه فلم يعتبر الداعي في الشرع؛ ولأن صفة الصبا داعية إلى المرحمة لا إلى الهجران فلا تعتبر وتتعلق اليمين بالإشارة، وكذا لو حلف لا يأكل هذا الحمل بفتحتين، ولد الشاة فأكله بعدما صار كبشا فإنه يحنث؛ لأن صفة الصغر في هذا ليست داعية إلى اليمين فإن الممتنع عنه أكثر امتناعا عن لحم الكبش. والأصل أن المحلوف عليه إذا كان بصفة داعية إلى اليمين تقيد به في المعرف والمنكر فإن زالت زال اليمين عنه، وما لا يصلح داعية اعتبر في المنكر دون المعرف قيد بقوله عين؛ لأنه لو نكر فسيأتي، وقيد بهذا الصبي؛ لأنه لو حلف لا يكلم صبيا فكلم بالغا لا يحنث؛ لأنه صار مقصودا بالحلف لكونه هو المعرف للمحلوف عليه فيجب تقييد اليمين به، وإن كان حراما كذا في الكشف الكبير فالصبي من لم يبلغ، وكذا الغلام فإذا بلغ فهو شاب، وفتى إلى ثلاثين سنة أو ثلاث وثلاثين على الاختلاف فهو كهل إلى خمسين سنة فهو شيخ كما في الذخيرة. وأشار المصنف إلى أنه لو حلف لا يأكل هذا العنب فصار زبيبا أو لا يأكل هذا اللبن فصار جبنا أو حلف لا يأكل من هذه البيضة فأكل من فراريجها أو لا يذوق من هذا الخمر فصار خلا أو حلف لا يأكل من زهرة هذه الشجرة فأكل بعدما صار لوزا أو مشمشا فإنه لا يحنث بخلاف ما إذا حلف لا يأكل تمرا فأكل حيسا فإنه يحنث؛ لأنه تمر مفتت فإن التمر بجميع أجزائه قائم إذ تفرقت أجزاؤه لا غير كذا في المحيط، وفسر الحيس في البدائع بأنه اسم لتمر ينقع في اللبن ويتشرب فيه اللبن، وقيل هو طعام يتخذ من تمر ويضم إليه شيء من السمن أو غيره والغالب هو التمر فكان أجزاء التمر بحالها فيبقى الاسم. ا هـ. والكلام ليس بقيد في مسألتي الصبي؛ لأنه لو حلف لا يجامع هذه الصبية فجامعها بعدما صارت كبيرة يحنث كما في البدائع، ولو حلف لا يأكل من هذه الجدحة فأكلها بعدما صارت بطيخا لا رواية فيه واختلف المشايخ فيه كذا في البدائع أيضا، وفيها أيضا إذا نوى في الفصول المتقدمة ما يوجب الحنث حنث؛ لأنه شدد على نفسه. ثم اعلم أن الأصل فيما إذا حلف لا يأكل معينا فأكل بعضه إن كان يأكله الرجل في مجلس أو يشربه في شربة فالحلف على جميعه، ولا يحنث بأكل بعضه؛ لأن المقصود الامتناع عن أكله، وكل شيء لا يطاق أكله في المجلس، ولا شربه في شربة يحنث بأكل بعضه؛ لأن المقصود من اليمين الامتناع عن أصله لا عن جميعه فلو حلف لا يأكل من ثمر هذا البستان أو من ثمر هاتين النخلتين أو من هذين الرغيفين أو من لبن هاتين الشاتين أو من هذا الغنم أو لا أشرب من ماء هذه الأنهار فأكل أو شرب بعضه يحنث؛ لأن كلمة من للتبعيض فكانت اليمين متناولة بعض المذكور، وقد وجد، وكذلك لو قبض دينارا فوجد درهمين زائفين فحلف لا يأخذ منهما شيئا، وأخذ أحدهما حنث، ولو قال لا أشرب لبن هاتين الشاتين ونحو ذلك لم يحنث حتى يشرب من لبن كل شاة، ولا يعتبر شرب الكل؛ لأنه غير مقصود. ولو حلف لا يأكل سمن هذه الخابية فأكل بعضه حنث، ولو كان مكان الأكل بيعا فباع بعضها لا يحنث؛ لأن الأكل لا يتأتى على جميعه في مجلس واحد ويتأتى البيع، ولو حلف لا يأكل هذه البيضة لا يحنث حتى يأكلها كلها، ولو حلف لا يأكل هذا الطعام فإن كان يقدر على أكل كله دفعة واحدة لا يحنث حتى يأكل كله، وإن لم يقدر حنث بأكل بعضه، وهو الأصح المختار لمشايخنا، ولو قال لامرأتيه إن أكلتما هذين الرغيفين فعبدي حر فأكلت كل واحدة منهما رغيفا عتق العبد، وكذلك لو أكلت إحداهما الرغيفين إلا شيئا، وأكلت الباقي الأخرى يحنث كذا في المحيط، وفي البدائع معزيا إلى الأصل بعدما ذكر هذه المسائل قال: ولو قال لا آكل هذه الرمانة فأكلها إلا حبة أو حبتين حنث في الاستحسان؛ لأن ذلك القدر لا يعتد به فإنه يقال في العرف لمن أكل رمانة وترك منها حبة أو حبتين إنه أكل رمانة، وإن ترك نصفها أو ثلثها أو ترك أكثر مما لا يجري في العرف أنه يسقط من الرمانة لم يحنث؛ لأنه لا يسمى أكلا لجميعها. ا هـ. وبه يعلم أن اليسير من الرغيف وغيره كالعدم كاللقمة، وفي الواقعات اغترف من القدر ثم قال والله لا آكل من هذا القدر فأكل ما في القصعة لا يحنث؛ لأن اليمين على ما بقي في القدر ثم قال في الفصل التاسع قال إن أكلت هذا الرغيف اليوم فامرأته طالق ثلاثا، وإن لم آكله اليوم فأمته حرة فأكل النصف لم يحنث لانعدام شرط الحنث في اليمين، وهو أكل الكل أو ترك الكل. ولو أخذ لقمة فوضعها في فيه فقال له رجل امرأتي طالق إن أكلتها، وقال آخر امرأتي طالق إن أخرجتها من فيك فأكل البعض، وأخرج البعض لم يحنث أحدهما؛ لأن شرط الحنث أكل الكل أو إخراج الكل، ولم يوجد قال هذا الرغيف علي حرام فأكل بعضه حنث، وهذا بخلاف قوله لا آكل هذا الرغيف إذا كان مما يؤكل كله في مجلس واحد والفتوى على ذلك. ا هـ. وقيد المصنف باليمين؛ لأنه لو أوصى بهذا الرطب فصار تمرا ثم مات لم تبطل الوصية؛ لأن بعض الموصى به قد فات، وفوات بعض الموصى به لا يوجب بطلانها، وفي اليمين تناول بعض المحلوف عليه فلا يحنث بخلاف ما إذا أوصى بعنب ثم صار زبيبا ثم مات الموصي بطلت الوصية والفرق أن الرطب والتمر صنف واحد لقلة التفاوت بينهما بخلاف العنب والزبيب فإنه تبديل، وهلاك كذا في غاية البيان. (قوله: لا يأكل بسرا فأكل رطبا لا يحنث)؛ لأنه ليس ببسر كما لو حلف لا يأكل عنبا فأكل زبيبا قيد به؛ لأنه لو حلف لا يأكل جوزا فأكل منه رطبا أو يابسا، وكذلك اللوز والفستق والبندق والتين، وأشباه ذلك؛ لأن الاسم يتناول الرطب واليابس جميعا كذا في البدائع. (قوله: وفي لا يأكل رطبا أو بسرا أو لا يأكل رطبا، ولا بسرا حنث بالمذنب)، وهو بكسر النون كما في المغرب يقال بسر مذنب، وقد ذنب إذا بدا الإرطاب من قبل ذنبه، وهو ما سفل من جانب القمع والعلاقة، وأما الرطب فهو ما أدرك من تمر النخل الواحدة رطبة فالرطب المذنب هو الذي أكثره رطب وشيء قليل منه بسر والبسر المذنب عكسه، وهذا عند أبي حنيفة، وقالا لا يحنث في الرطب بالبسر المذنب، ولا في البسر بالرطب المذنب؛ لأن الرطب المذنب يسمى رطبا والبسر المذنب يسمى بسرا وصار كما إذا كانت اليمين على الشراء، وله أن الرطب المذنب ما يكون في ذنبه قليل بسر والبسر المذنب على عكسه فصار أكله أكل البسر والرطب، وكل واحد مقصود في الأكل بخلاف الشراء فإنه يصادف الجملة فيتبع القليل فيه الكثير، وفي أكثر الكتب المعتبرة أن محمدا مع أبي حنيفة وحاصل المسائل أربع وفاقيتان وخلافيتان فالوفاقيتان ما إذا حلف لا يأكل رطبا فأكل رطبا مذنبا، وما إذا حلف لا يأكل بسرا فأكل بسرا مذنبا فيحنث فيهما اتفاقا والخلافيتان ما إذا حلف لا يأكل رطبا فأكل بسرا مذنبا، وما إذا حلف لا يأكل بسرا فأكل رطبا مذنبا فإنه يحنث عندهما خلافا لأبي يوسف. (قوله: ولا يحنث بشراء كباسة بسر فيها رطب في لا يشتري رطبا) أي لو حلف لا يشتري رطبا فاشترى كباسة بسر فيها رطب لم يحنث؛ لأن الشراء يصادف جملته والمغلوب تابع، ولو كان اليمين على الأكل يحنث؛ لأن الأكل يصادفه شيئا فشيئا فكان كل واحد منهما مقصودا وصار كما إذا حلف لا يشتري شعيرا أو لا يأكل فاشترى حنطة فيها حبات شعير أو أكلها يحنث في الأكل دون الشراء لما قدمنا قال في الخانية لو حلف لا يشتري ألية فاشترى شاة مذبوحة كان حانثا، وكذا إذا حلف لا يشتري رأسا والكباسة بكسر الكاف عنقود النخل والجمع كبائس قال في التبيين بخلاف ما إذا عقد يمينه على المس حيث يحنث في الوجوه كلها؛ لأن المس فيها متصور حقيقة، واسم المحلوف عليه باق بخلاف ما إذا حلف لا يمس قطنا أو كتانا فمس ثوبا اتخذ منه حيث لا يحنث لزوال اسم القطن والكتان عنه فصار كمن حلف لا يأكل سمنا أو زبدا أو لا يمسه فأكل لبنا أو مسه. (قوله: وبسمك في لا يأكل لحما) أي لو حلف لا يأكل لحما لا يحنث بأكل لحم السمك، وإن سماه الله تعالى لحما في القرآن للعرف، وقد قدمنا أن الأيمان مبنية عليه لا على الحقيقة، وهو أولى مما في الهداية من أن التسمية التي وقعت في القرآن مجازية لا حقيقية؛ لأن اللحم منشؤه من الدم، ولا دم في السمك لسكونه في الماء، ولذا حل بلا ذكاة فإنه ينتقض بالألية تنعقد من الدم، ولا يحنث بأكلها لمكان العرف، وهي أنها لا تسمى لحما، وأيضا يمنع أن اسم اللحم باعتبار الانعقاد من الدم لا باعتبار الالتحام ألا ترى أنه لو حلف لا يركب دابة فركب كافرا أو لا يجلس على وتد فجلس على جبل أنه لا يحنث مع تسميتها في القرآن دابة، وأوتادا، وهذا كله إذا لم ينو أما إذا نواه فأكل سمكا طريا أو مالحا يحنث، وفي المحيط، وفي الأيمان يعتبر العرف في كل موضع حتى قالوا لو كان الحالف خوارزميا فأكل لحم السمك يحنث؛ لأنهم يسمونه لحما، ولو حلف لا يشتري خبزا فاشترى خبز الأرز لا يحنث إلا أن يكون بطبرستان. ا هـ. (قوله: ولحم الخنزير والإنسان والكبد والكرش لحم)؛ لأن منشأ هذه الأشياء الدم فصارت لحما حقيقة فيحنث بأكلها في حلفه لا يأكل لحما، وإن كان لحم الخنزير والآدمي حراما؛ لأن اليمين قد تنعقد لمنع النفس عن الحرام كما لو حلف لا يزني أو لا يكذب تصح يمينه، وكذا يدخل في العموم ألا ترى أنه لو حلف لا يشرب شرابا يدخل فيه الخمر حتى تلزمه الكفارة بشربها لكونها شرابا حقيقة ووجوب الكفارة في اليمين ليس لعينها بل لمعنى في غيرها، وهو هتك حرمة اسم الله تعالى، ولا يختلف ذلك بين أن تكون يمينه على الطاعة أو على المعصية وصحح الإمام العتابي أنه لا يحنث بأكل لحم الخنزير والآدمي، وقال في الكافي، وعليه الفتوى اعتبارا للعرف، وهذا هو الحق، وما في التبيين من أنه عرف عملي لا يصلح مقيدا للفظ بخلاف العرف اللفظي ألا ترى أنه لو حلف لا يركب دابة لا يحنث بالركوب على الإنسان للعرف اللفظي؛ لأن اللفظ عرفا لا يتناول إلا الكراع، وإن كان في اللغة يتناوله، ولو حلف لا يركب حيوانا يحنث بالركوب على الإنسان؛ لأن اللفظ يتناول جميع الحيوانات والعرف العملي، وهو أنه لا يركب عادة لا يصلح مقيدا. ا هـ. فقد رده في فتح القدير بأنه غير صحيح لتصريح أهل الأصول بقولهم الحقيقة تترك بدلالة العادة إذ ليست العادة إلا عرفا عمليا، ولم يجب عن الفرق بين الدابة والحيوان، وهي واردة عليه إن سلمها، وفي الخلاصة لو حلف لا يأكل لحما فأكل شيئا من البطون كالكبد والطحال يحنث في عرف أهل الكوفة، وفي عرفنا لا يحنث، وهكذا في المحيط والمجتبى، ولا يخفى أنه لا يسمى لحما في عرف أهل مصر أيضا فعلم أن ما في المختصر مبني على عرف أهل الكوفة، وأن ذلك يختلف باختلاف العرف، وفي الخلاصة وغيرها لو حلف لا يأكل لحما حنث بأكل لحم الإبل والبقر والغنم والطيور مطبوخا كان أو مشويا أو قديدا كما ذكره في الأصل فهذا من محمد إشارة إلى أنه لا يحنث بالنيء، وفي فتاوى أبي الليث عن أبي بكر الإسكاف أنه لا يحنث، وهو الأظهر، وعند الفقيه أبي الليث يحنث، ولو حلف لا يأكل من هذا اللحم شيئا فأكل من مرقته لم يحنث إن لم يكن له نية المرقة. ا هـ. وفي الظهيرية الأشبه أنه لا يحنث بأكل النيء، وفي المحيط حلف لا يأكل لحم شاة فأكل لحم عنز يحنث؛ لأن الشاة اسم جنس فيتناول الشاة أي الضأن وغيرها وذكر الفقيه أبو الليث في نوازله أنه لا يحنث سواء كان الحالف قرويا أو مصريا، وعليه الفتوى؛ لأنهم يفرقون بينهما عادة، ولو حلف لا يأكل لحم بقرة لم يحنث بأكل لحم الجاموس؛ لأنه، وإن كان بقرا حتى يعد في نصاب البقر، ولكن خرج من اليمين بتعارف الناس. ا هـ. وفي الخانية والرأس والأكارع لحم في يمين الأكل، وليس بلحم في يمين الشراء. ا هـ. وفي البدائع حلف لا يأكل لحم دجاج فأكل لحم ديك حنث؛ لأن الدجاج اسم للذكر والأنثى جميعا فأما الدجاجة فاسم للأنثى والديك اسم للذكر، واسم الإبل يقع على الذكور والإناث، وكذا اسم الجمل والبعير والجزور، وهذه الأربعة تقع على البخاتي والعراب واسم البقر يقع على الأنثى والذكر كالشاة والغنم والنعجة اسم للأنثى والكبش للذكر والفرس لهما كالبغل والبغلة والحمار للذكر والحمارة والأتان للأنثى. (قوله: وبشحم الظهر في شحما) أي لو حلف لا يأكل شحما فأكل شحم الظهر لا يحنث فهو معطوف على قوله وبسمك، وهذا عند الإمام، وقالا يحنث لوجود خاصية الشحم فيه، وهو الذوب بالنار، وله أنه لحم حقيقة ألا ترى أنه ينشأ من الدم ويستعمل استعماله ويحصل به قوته، ولهذا يحنث بأكله في اليمين على أكل اللحم إجماعا كما في المحيط، ولا يحنث ببيعه في اليمين على بيع الشحم قال القاضي الإسبيجابي إن أريد بشحم الظهر شحم الكلية فقولهما أظهر، وإن أريد به شحم اللحم فقوله أظهر. ا هـ. وفي فتح القدير صحح غير واحد قول أبي حنيفة وذكر الطحاوي قول محمد مع أبي حنيفة، وهو قول مالك والشافعي في الأصح، وقيد بشحم الظهر؛ لأنه يحنث بشحم البطن اتفاقا، وذكر في الكافي أن الشحوم أربعة شحم البطن وشحم الظهر وشحم مختلط بالعظم وشحم على ظاهر الأمعاء واتفقوا على أنه يحنث بشحم البطن والثلاثة على الخلاف. ا هـ. واليمين على شراء اللحم كهي على أكله كما في التبيين، وفي فتح القدير، وما في الكافي لا يخلو من نظر بل لا ينبغي خلاف في عدم الحنث بما على الأمعاء في العظم قال الإمام السرخسي إن أحدا لم يقل بأن مخ العظم شحم. ا هـ. وكذا لا ينبغي خلاف في الحنث بما على الأمعاء؛ لأنه لا يختلف في تسميته شحما. ا هـ. وفسر في الهداية شحم الظهر بأنه اللحم السمين، وأشار المصنف إلى أن المأمور بشراء اللحم إذا اشترى شحم الظهر لا يجوز على الآمر، وهو مروي عن محمد، وهو دليل للإمام أيضا كما في المحيط. (قوله: وبألية في شحما، ولحما) أي لا يحنث بأكل ألية لو حلف لا يأكل لحما أو حلف لا يأكل شحما؛ لأنها نوع ثالث حتى لا تستعمل استعمال اللحوم والشحوم فلا يتناولها اللفظ معنى، ولا عرفا. (قوله: وبالخبز في هذا البر) أي لا يحنث بأكل الخبز في حلفه لا يأكل هذا البر فلا يحنث إلا بالقضم من عينها عند الإمام، وقالا إن أكل من خبزها حنث أيضا؛ لأنه مفهوم منه عرفا ولأبي حنيفة أن لها حقيقة مستعملة فإنها تغلى وتقلى وتؤكل قضما، وهي قاضية على المجاز المتعارف كما هو الأصل عنده، ولو قضمها حنث عندهما على الصحيح لعموم المجاز كما إذا حلف لا يضع قدمه في دار فلان، وإليه الإشارة بقوله حنث في الخبز أيضا كذا في الهداية وصحح في الذخيرة عنهما أنه لا يحنث بأكل عينها. وفي فتح القدير والمحيط إنما يحنث بأكل عينها عند الإمام إذا لم تكن نيئة بأن كانت مقلية كالبليلة في عرفنا أما إذا قضمها نيئة لم يحنث؛ لأنه غير مستعمل أصلا. وأشار المصنف إلى أنه لو أكل من دقيقها أو سويقها فإنه لا يحنث بالأولى عند الإمام، وأما عندهما فقالوا لو أكل من سويقها حنث عند محمد خلافا لأبي يوسف فيحتاج أبو يوسف إلى الفرق بين الخبز والسويق والفرق أن الحنطة إذا ذكرت مقرونة بالأكل يراد بها الخبز دون السويق ومحمد اعتبر عموم المجاز. وأطلقه المصنف فشمل ما إذا نوى عينها أو لم تكن له نية كما في البدائع، ولا يخفى أنه إذا نوى أكل الخبز فإنه يصدق؛ لأنه شدد على نفسه، وقيد بكون الحنطة معينة؛ لأنه لو حلف لا يأكل حنطة ينبغي أن يكون جوابه كجوابهما ذكره شيخ الإسلام، ولا يخفى أنه تحكم والدليل المذكور المتفق على إيراده في جميع الكتب يعم المعينة والنكرة، وهو أن عينها مأكول كذا في فتح القدير، ولا فرق في الحكم بين أن يقول لا آكل من هذه الحنطة أو هذه الحنطة كما في البدائع. (قوله: وفي هذا الدقيق يحنث بخبزه لا بسفه) أي في حلفه لا يأكل هذا الدقيق لا يحنث بأكل عينه؛ لأن عينه غير مأكول بخلاف الحنطة فانصرف إلى ما يتخذ منه فلو استفه كما هو لم يحنث على الصحيح لتعين المجاز مرادا كما لو أكل عين النخلة كما قدمناه، وإن عنى أكل الدقيق بعينه لم يحنث بأكل خبزه؛ لأنه نوى الحقيقة، وفي المحيط، وكذلك لو أكل من عصيدته يحنث؛ لأنه قد يؤكل كذلك؛ لأن أكل الدقيق هكذا يكون عند العقلاء فينصرف إلى ما هو معتاد بينهم. ا هـ. وفي الظهيرية حلف أن لا يأكل من هذا الدقيق فاتخذ منه خبيصا قال الفقيه أبو الليث أخاف أن يحنثه. ا هـ. ومن الخبيص الحلواء فلو قال المصنف حنث بما يتخذ منه لكان أولى. (قوله: والخبز ما اعتاده بلده فإذا حلف لا يأكل خبزا حنث بأكل خبز البر والشعير)؛ لأنه هو المعتاد في غالب البلاد فلو أكل من خبز القطائف لا يحنث؛ لأنه لا يسمى خبرا مطلقا إلا إذا نواه؛ لأنه يحتمله، ولو أكل خبز الأرز بالعراق لم يحنث؛ لأنه غير متعارف عندهم حتى لو كان بطبرستان أو في بلد طعامهم ذلك حنث، ولا يحنث بخبز الشعير إن كان مصريا؛ لأنهم لا يعتادون إلا خبز البر ويحنث الحجازي واليمني بخبز الذرة؛ لأنهم يعتادونه ودخل في الخبز الكماج؛ لأنه خبز وزيادة للاختصاص باسم الزيادة لا للنقص، ولا يحنث بالثريد؛ لأنه لا يسمى خبزا مطلقا، وفي الخلاصة حلف لا يأكل من هذا الخبز فأكله بعدما تفتت لا يحنث؛ لأنه لا يسمى خبزا، ولا يحنث بالعصيد والططماج، ولا يحنث لو دقه فشربه، وعن أبي حنيفة في حيلة: أكله أن يدقه فيلقيه في عصيدة ويطبخ حتى يصير الخبز هالكا، وقد سئل المحقق ابن الهمام عن بدوي اعتاد أكل خبز الشعير فدخل البلدة المعتاد فيها أكل خبز الحنطة واستمر هو لا يأكل إلا الشعير فحلف لا يأكل خبزا قال فقلت: لا ينعقد إلا على عرف نفسه فيحنث بالشعير؛ لأنه لم ينعقد على عرف الناس إلا؛ لأن الحالف يتعاطاه فهو منهم فينصرف كلامه لذلك، وهذا منتف فيمن لم يوافقهم بل هو مجانب لهم. ا هـ. وفي الظهيرية يحنث بأكل الزماورد، وهو ما يقطع من الخبز مستديرا بعد أن كان محشوا بالبيض وغيره، ولو أكل الخبز مبلولا حنث، وفي الخانية أنه يحنث بأكل الرقاق. ا هـ. وينبغي أن يخص ذلك بالرقاق البيساني بمصر أما الرقاق الذي يحشى بالسكر واللوز فلا يدخل تحت اسم الخبز في عرفنا كما لا يخفى، وفي الظهيرية لو حلف لا يأكل خبز فلانة الخابزة والخابزة هي التي تضرب الخبز في التنور دون التي تعجنه وتهيئوه للضرب فإن أكل من خبز التي ضربته حنث، وإلا فلا. ا هـ. (قوله: والشواء والطبيخ على اللحم) فإذا حلف لا يأكل الشواء لا يحنث إلا بأكل اللحم دون الباذنجان والجزر؛ لأنه يراد به اللحم المشوي عند الإطلاق إلا أن ينوي ما يشوى من بيض وغيره لمكان الحقيقة، وكذا إذا حلف لا يأكل الطبيخ فهو على ما يطبخ من اللحم، وهذا استحسان اعتبارا للعرف، وهذا؛ لأن التعميم متعذر فيصرف إلى خاص هو متعارف، وهو اللحم المطبوخ بالماء إلا إذا نوى غير ذلك؛ لأن فيه تشديدا، وإن أكل من مرقه يحنث لما فيه من أجزاء اللحم؛ ولأنه يسمى طبيخا، وإن كان لا يسمى لحما كما قدمناه، وفي البدائع حلف لا يأكل من طبيخ امرأته فسخنت له قدرا قد طبخها غيرها إنه لا يحنث؛ لأن الطبخ فعل من طبخ، وهو الفعل الذي يسهل به أكل اللحم وذلك وجد من الأول لا منها. ا هـ. وفي التجريد قيل اسم الطبخ يقع بوضع القدر لا بإيقاد النار، وقيل لو أوقد غيرها فوضعت هي القدر لا يحنث. ا هـ. وفي عرفنا ليس واضع القدر طابخا قطعا، ومجرد الإيقاد كذلك، ومثله يسمى صبي الطباخ يعني معينه، والطباخ هو الموكل بوضع التوابل، وإن لم يوقد كذا في فتح القدير ويرد على المصنف شيئان الأول أن الطبيخ ليس هو اللحم خاصة، وإنما هو ما يطبخ بالماء من اللحم حتى إن ما يتخذ قلية من اللحم لا يسمى طبيخا فلا يحنث به كما صرح به في التبيين وغيره فإن قيل إنه أراد به المطبوخ بالماء قلنا لا يصح ذلك في الشواء؛ لأنه لا يحنث فيه إذا أكل لحما مطبوخا بالماء؛ لأن اللحم المشوي هو الذي لم يطبخ بالماء، وقد جعلهما واحدا. الثاني أن الطبيخ لا يختص بالمطبوخ من اللحم لما في الخلاصة أنه يحنث بالأرز إذا طبخ بودك، وكذا العدس كما في الظهيرية بخلاف ما إذا طبخ بزيت أو سمن قال ابن سماعة الطبيخ يقع على الشحم أيضا زاد في البدائع أنه يقع على ما طبخ بالألية أيضا قال في فتح القدير، ولا شك أن اللحم بالماء طبيخ، وإنما الكلام في أنه المتعارف الظاهر أنه لا يختص به. ا هـ. وأشار المصنف رحمه الله إلى أنه لو أكل سمكا مطبوخا لا يحنث؛ لأنه لا يسمى طبيخا في العرف كما صرح به في البدائع، وفي المغرب الودك من الشحم أو اللحم ما تحلب منه، وقول الفقهاء ودك الميتة من ذلك. ا هـ. وحاصله أنه الدهن الخاص، وهو دهن الشحم أو اللحم قال في تهذيب القلانسي، وما يطبخ مع الأدهان يسمى مزورة. ا هـ. ومراده غير دهن اللحم والشحم كما قدمناه فعلى هذا لو حلف لا يأكل طبيخا لا يحنث بأكل المزورة التي تفعل للمريض قيد المصنف بالطبيخ؛ لأنه لو حلف لا يأكل طعاما فأكل خبزا أو فاكهة أو غير ذلك مما يؤكل على وجه التطعم كان حانثا، وإن أكل ماله طعم لكن لا يؤكل على وجه التطعم كالسقمونيا ونحو ذلك لا يحنث في يمينه كذا في الخانية، وفي الظهيرية حلف لا يأكل طعاما فأكل ملحا أو خلا أو كامخا أو زيتا يحنث في يمينه هكذا رواه ابن رستم عن محمد، وقال كل شيء يؤكل فهو طعام فقد جعل محمد الخل طعاما، وقال أبو يوسف الخل ليس بطعام قال القدوري في كتابه: وحقيقة الطعام ما يطعم، ولكن يختص في العرف ببعض الأشياء فإن السقمونيا، وما أشبه ذلك من الأدوية الكريهة لا تسمى طعاما. ا هـ. وفي البدائع لو حلف لا يأكل طعاما فأكل شيئا يسيرا يحنث؛ لأن قليل الطعام طعام، وفي المحيط لو حلف لا يأكل من طعام فلان فأكل من نبيذه لم يحنث والنبيذ شراب عند أبي يوسف، وقال محمد هو طعام، ولو حلف لا يشتري طعاما لا يحنث إلا بشراء الحنطة والدقيق والخبز استحسانا، وفي الواقعات حلف لا يأكل طعاما فأكل دواء إن كان من الدواء الذي لا يكون له طعم، ولا يكون غذاء ويكون مرا كريها لا يحنث؛ لأنه لا يسمى طعاما، وإن كان دواء له حلاوة مثل الحلنجبين يحنث؛ لأن له طعما ويكون به غذاء حلف لا يأكل من طعام فلان فأكل من خله بطعام نفسه أو بزيته أو بملحه حنث؛ لأنه أكل من طعامه. ا هـ. وفي البدائع حلف لا يأكل طعاما فاضطر إلى أكل ميتة فأكل منها لم يحنث. (قوله: والرأس ما يباع في مصره) فلو حلف لا يأكل رأسا انصرفت يمينه إلى ما يكبس في التنانير في تلك البلدة وتباع فيها من رءوس الإبل والبقر والغنم، وهو المراد بقوله ما يباع في مصره أي من الرءوس غير نيئ وخصه في الجامع الصغير برءوس البقر والغنم عند الإمام، وعندهما بالغنم خاصة، وهو اختلاف عصر، وفي زماننا هو خاص بالغنم فوجب على المفتي أن يفتي بما هو المعتاد في كل مصر وقع فيه حلف الحالف كما أفاده في المختصر، وما في التبيين من أن الأصل اعتبار الحقيقة اللغوية إن أمكن العمل بها، وإلا فالعرف إلى آخره مردود؛ لأن الاعتبار إنما هو للعرف وتقدم أن الفتوى على أنه لا يحنث بأكل لحم الخنزير والآدمي، ولذا قال في فتح القدير، ولو كان هذا الأصل المذكور منظورا إليه لما تجاسر أحد على خلافه في الفروع. ا هـ. وفي البدائع والاعتماد إنما هو على العرف وبما ذكرناه اندفع ما ذكره الإسبيجابي أنه في الأكل يقع على الكل إذا أكل ما يسمى رأسا، وفي الشراء يقع على رأس البقر والغنم عنده، وعندهما على الغنم خاصة، ولا يقع على رأس الإبل بالإجماع لما علمت أنه في الأكل خاص بما يباع في مصره، وفي المغرب يكبس في التنور يطم به التنور أو يدخل فيه من كبس الرجل رأسه في قميصه إذا أدخله. (قوله: والفاكهة التفاح والبطيخ والمشمش لا العنب والرمان والرطب والقثاء والخيار)، وهذا عند أبي حنيفة، وقالا يحنث في الرمان والعنب والرطب أيضا والأصل أن الفاكهة اسم لما يتفكه به قبل الطعام وبعده أي يتنعم به زيادة على المعتاد والرطب واليابس فيه سواء بعد أن يكون التفكه به معتادا حتى لا يحنث بيابس البطيخ، وهذا المعنى موجود في التفاح، وأخواتها فيحنث بها وغير موجود في القثاء والخيار؛ لأنهما من البقول بيعا، وأكلا فلا يحنث بهما، وأما العنب والرطب والرمان فهما يقولان معنى التفكه موجود فيهما فإنها أعز الفواكه والتنعم بها يفوق التنعم بغيرها وأبو حنيفة يقول إن هذه الأشياء مما يتغذى بها ويتداوى بها فأوجب قصورا في معنى التفكه للاستعمال في حالة البقاء، ولهذا كان اليابس منها من التوابل أو من الأقوات وذكر في الكشف الكبير أن هذا اختلاف عصر وزمان فأبو حنيفة أفتى على حسب عرفه وتغير العرف في زمانهما، وفي عرفنا ينبغي أن يحنث بالاتفاق. ا هـ. وفي الظهيرية قال محمد في الأصل التوت فاكهة، وعن أبي يوسف أن العناب فاكهة، وفي الأصل الجوز فاكهة قال القدوري ثمر الشجر كلها فاكهة إلا الرمان والعنب والرطب والبطيخ من الفواكه هكذا ذكر القدوري وروى الحاكم الشهيد في المنتقى عن أبي يوسف وذكر شمس الأئمة السرخسي في شرحه أن البطيخ ليس من الفواكه فإنه ذكر أن ما لا يؤكل يابسه فاكهة فرطبه لا يكون فاكهة، وقال أبو حنيفة ليس الباقلاء الأخضر بفاكهة. والحاصل أن العبرة في جميع ذلك للعرف فما يؤكل على سبيل التفكه عادة ويعد فاكهة في العرف يدخل تحت اليمين، وما لا فلا. ا هـ. وفي المحيط ما روي أن الجوز واللوز من الفاكهة هو في عرفهم أما في عرفنا فإنه لا يؤكل للتفكه، وقال محمد قصب السكر والبسر الأحمر فاكهة، ولو حلف لا يأكل من فاكهة العام وثمار العام فإن كان في أيام الفاكهة الرطبة فهو على الرطب فإن أكل اليابس لا يحنث، وإن كان في غير، وقتها فهو على اليابس، وهذا استحسان لتعارف الناس إطلاق اسم الفاكهة في وقت الرطب على الرطب دون اليابس. ا هـ. وفي البدائع لو حلف لا يأكل فاكهة فأكل زبيبا أو تمرا أو حب الرمان لا يحنث بالإجماع والجوز رطبه فاكهة ويابسه إدام. ا هـ. قيد المصنف بالفاكهة؛ لأنه لو حلف لا يأكل الحلواء فالحلواء عندهم كل حلو ليس من جنسه حامض، وما كان من جنسه حامض فليس بحلواء والمرجع فيه إلى العرف فيحنث بأكل الخبيص والعسل والسكر والناطف والرب والرطب والتمر، وأشباه ذلك، وكذا روى المعلى عن محمد إذا أكل تينا رطبا أو يابسا؛ لأنه ليس من جنسها حامض فخلص معنى الحلاوة فيه، ولو أكل عنبا حلوا أو بطيخا حلوا أو رمانا حلوا أو إجاصا حلوا لم يحنث؛ لأن من جنسه ما ليس بحلواء، وكذا الزبيب، وكذا إذا حلف لا يأكل حلواة فهو مثل الحلواء كذا في البدائع وحاصله أن الحلو والحلواء والحلاوة واحد، وهذا ليس في عرفنا فإن في عرفنا الحلو اسم للعسل المطبوخ على النار بنشاء ونحوه، وأما الحلواء والحلاوة فاسم لسكر أو عسل أو ماء عنب طبخ على النار، وعقد حتى صار جامدا كالعقيد والفانيذ والحلاوة الجوزية والسمسمية ونحوها، وكما قال في الظهيرية قال القدوري المرجع في هذا إلى عادات الناس فعلى هذا لا يحنث في الفانيذ والعسل والسكر في بلادنا. ا هـ. ولو حلف لا يأكل شهدا فأكل عسلا لا يحنث؛ لأن العسل اسم للصافي والشهد اسم للمختلط، ولو حلف لا يأكل سكرا فأكل سكرا بفيه وجعل يمتصه حتى ذاب فابتلع ماءه لم يحنث كذا في الظهيرية أيضا. (قوله: والإدام ما يصطبغ به كالخل والملح والزيت لا اللحم والبيض والجبن) أي هو شيء يصبغ الخبز إذا اختلط به، وهذا عند أبي يوسف، وقال محمد هو ما يؤكل مع الخبز غالبا، وهو رواية عن أبي يوسف؛ لأن الإدام من المؤادمة، وهي الموافقة، وكل ما يؤكل مع الخبز موافق له كاللحم والبيض ونحوه، ولهما أن الإدام ما يؤكل تبعا والتبعية في الاختلاط حقيقة ليكون قائما به، وفي أن لا يؤكل على الانفراد حكما وتمام الموافقة في الامتزاج أيضا والخل وغيره من المائعات لا تؤكل وحدها بل تشرب والملح لا يؤكل بانفراده عادة؛ ولأنه يذوب فيكون تبعا بخلاف اللحم، وما يضاهيه؛ لأنه يؤكل وحده إلا أن ينويه لما فيه من التشديد، والعنب والبطيخ ليس بإدام بالإجماع، وهو الصحيح. وبهذا ظهر أن تخصيص الزيلعي الإدام بالمائع صحيح في الملح أيضا باعتبار أنه يذوب في الفم ويحصل به صبغ الخبز والاصطباغ افتعال من الصبغ، ولما كان ثلاثيه، وهو صبغ متعديا إلى واحد جاء الافتعال منه لازما فلا يقال اصطبغ الخبز؛ لأنه لا يصل إلى المفعول بنفسه حتى يقام مقام الفاعل إذا بني الفعل له فإنما يقام غيره من الجار والمجرور ونحوه فلذا يقال اصطبغ به، وذكر القلانسي في تهذيبه أن الفتوى على قول محمد للعرف. ا هـ. وفي المحيط، وقول محمد أظهر وبه أخذ الفقيه أبو الليث. ا هـ. ويكفيه الاستدلال بالعرف الظاهر؛ لأن مبناها عليه فلا حاجة إلى الاستدلال له بالحديث: «سيد إدامكم اللحم» والحكاية هي أن ملك الروم كتب إلى معاوية أن ابعث إلي بشر إدام على يد شر رجل فبعث إليه جبنا على يد رجل يسكن في بيت أصهاره، وهو من أهل اللسان؛ لأن كونه سيده لا يستلزم أن يكون منه إذ يقال في الخليفة سيد العجم، وليس هو منهم، وأما حكاية معاوية فيتوقف الاستدلال بها على صحتها، وهي بعيدة إذ يبعد من إمام عادل أن يتكلف إرسال شخص إلى بلاد الروم ملتزما لمؤنته لغرض مهمل لكافر والسكن في بيت الصهر قط لا يوجب أن يكون الساكن شر رجل فآثار البطلان تلوح على هذه القضية كما في فتح القدير قال التمرتاشي: وهذا الاختلاف بينهم على عكس اختلافهم فيمن حلف لا يأكل إلا رغيفا فأكل معه البيض ونحوه لم يحنث عندهما وحنث عند محمد، وإذا أكل الإدام وحده فإن كان حلف لا يأكل إداما حنث، وإن كان حلف لا يأتدم بإدام لا يحنث بأكله وحده فلا بد من أن يأكل معه الخبز كما أشار إليه في الكشف الكبير، وفي المحيط قال محمد التمر والجوز ليس بإدام؛ لأنه يفرد بالأكل في الغالب فكذا العنب والبطيخ والبقل؛ لأنه لا يؤكل تبعا للخبز بل يؤكل وحده غالبا، وكذلك سائر الفواكه حتى لو كان في موضع يؤكل تبعا للخبز غالبا يكون إداما عنده اعتبارا للعرف. ا هـ. وفي الظهيرية والبقل ليس بإدام بلا خلاف على الأصح، وفي البدائع سئل محمد عمن حلف لا يأكل خبزا مأدوما فقال الخبز المأدوم الذي يثرد ثردا يعني في المرق والخل، وما أشبهه فقيل له فإن ثرد في ماء، وملح فلم ير ذلك مأدوما، وعن أبي يوسف أن تسمية هذه الأشياء على ما يعرف أهل تلك البلاد في كلامهم. ا هـ. (قوله: والغداء الأكل من الفجر إلى الظهر) أي التغدي الأكل في هذا الوقت، وإنما فسرناه به؛ لأن الغداء في الحقيقة بفتح الغين المعجمة والمد اسم لما يؤكل في الوقت الخاص لا للأكل، وقد ترك المصنف قيدين ذكرهما قاضي خان في فتاواه فقال التغدي الأكل المترادف الذي يقصد به الشبع في وقت خاص، وهو ما بعد طلوع الفجر إلى زوال الشمس مما يتغدى به عادة وغداء كل بلدة ما تعارفه أهل تلك البلدة. ا هـ. وفي التبيين، ومقدار ما يحنث به من الأكل أن يكون أكثر من نصف الشبع؛ لأن اللقمة واللقمتين لا تسمى غداء عادة وجنس المأكول يشترط أن يكون ما يأكله أهل بلدته عادة حتى لو شرب اللبن وشبع لا يحنث إن كان حضريا، وإن كان بدويا يحنث. ا هـ. وفي المحيط لو حلف لا يتغدى فهو على الخبز فلو تغدى بغير الخبز من الأرز والتمر واللبن لم يحنث إن كان غير بدوي، ولو حلف على فعل ماض بأن قال والله ما تغديت اليوم، وقد تغدى بأرز وسمن ينبغي أن يحنث، وإن تغدى المصري بالعنب لم يحنث إلا أن يكون من أهل الرساتيق ممن عادتهم التغدي بالعنب في وقته. ا هـ. وقد اختلف في أول وقته فذكر الإسبيجابي أنه طلوع الشمس، وهكذا في الخلاصة وينبغي أن يكون هو المعتمد للعرف؛ لأن الأكل قبل طلوع الشمس لا يسمونه غداء. وأشار المصنف رحمه الله إلى أنه لو حلف ليأتينه غدوة فأتاه بعد طلوع الفجر إلى نصف النهار فقد بر، وهو غدوة؛ لأنه وقت الغداء كما في البدائع، وأما الضحوة فمن بعد طلوع الشمس من الساعة التي تحل فيها الصلاة إلى نصف النهار؛ لأنه وقت صلاة الضحى قال محمد إذا حلف لا يصبح فالتصبيح عندي ما بين طلوع الشمس وارتفاع الضحى الأكبر فإذا ارتفع الضحى الأكبر ذهب وقت التصبيح؛ لأن التصبيح تفعيل من الصباح، والتفعيل للتكثير فيقتضي زيادة على ما يفيده الإصباح. ا هـ. (قوله: والعشاء منه إلى نصف الليل) أي التعشي الأكل من الزوال إلى نصف الليل، وأما العشاء بفتح العين والمد فاسم للمأكول في هذا الوقت كما تقدم في الغداء والشرطان السابقان في التغدي يأتيان هنا قلنا، وإنما كان كذلك؛ لأن ما بعد الظهر يسمى عشاء بكسر العين، ولهذا يسمى الظهر إحدى صلاتي العشاء في الحديث وذكر الإمام الإسبيجابي أن هذا في عرفهم، وأما في عرفنا فوقت العشاء بعد صلاة العصر. ا هـ. وهذا هو الواقع في عرف أهل مصر؛ لأنهم يسمون ما يأكلونه بعد الزوال وسطانية. قيد بالعشاء؛ لأن السحور هو الأكل بعد نصف الليل إلى طلوع الفجر مأخوذ من السحر، وهو قريب السحر لكن روى المعلى عن محمد فيمن حلف لا يكلمه إلى السحر قال إذا دخل ثلث الليل الأخير فليكلمه؛ لأن وقت السحر ما قرب من الفجر، وقال هشام عن محمد المساء مساءان أحدهما إذا زالت الشمس ألا ترى أنك تقول إذا زالت كيف أمسيت والمساء الآخر إذا غربت الشمس فإذا حلف بعد الزوال لا يفعل كذا حتى يمسي كان ذلك على غيبوبة الشمس؛ لأنه لا يمكن حمل اليمين على المساء الأول فيحمل على الثاني كذا في البدائع. (قوله: إن لبست أو أكلت أو شربت ونوى معينا لم يصدق أصلا) أي لا قضاء، ولا ديانة؛ لأن النية إنما تصح في الملفوظ، والثوب والطعام والماء غير مذكور تنصيصا والمقتضى بالفتح لا عموم له فلغت نية التخصيص فيه كما في الهداية وغيرها فحنث بأي شيء أكل أو شرب أو لبس وتعقبهم في فتح القدير بأن التحقيق أن المفعول في لا آكل، ولا ألبس ليس من باب المقتضى؛ لأن المقتضى ما يقدر لتصحيح المنطوق، وذلك بأن يكون الكلام مما يحكم بكذبه على ظاهره مثل رفع الخطأ والنسيان أو بعدم صحته شرعا مثل أعتق عبدك عني، وليس قول القائل لا آكل يحكم بكذب قائله بمجرده، ولا متضمنا حكما يصح شرعا نعم المفعول أعني المأكول من ضروريات وجود فعل الأكل، ومثله ليس من باب المقتضى، وإلا كان كل كلام كذلك إذ لا بد أن يستدعي معناه زمانا أو مكانا فكان لا يفرق بين قولنا الخطأ والنسيان مرفوعان وبين قام زيد وجلس عمرو فإنما هو من باب حذف المفعول اقتصارا أو تناسيا، وطائفة من المشايخ، وإن فرقوا بين المقتضى والمحذوف وجعلوا المحذوف يقبل العموم قلنا لك أن تقول إن عمومه لا يقبل التخصيص، وقد صرح من المحققين جمع بأن من العمومات ما لا يقبل التخصيص مثل المعاني إذا قلنا بأن العموم من عوارض المعاني كما هو من عوارض الألفاظ وغير ذلك فكذلك هذا المحذوف إذ ليس في حكم المنطوق لتناسيه، وعدم الالتفات إليه إذ ليس الغرض إلا الإخبار بمجرد الفعل على ما عرف أن الفعل المتعدي قد ينزل منزلة اللازم لما قلنا، والاتفاق على عدم صحة التخصيص في باب المتعلقات من الزمان والمكان حتى لو نوى لا يأكل في مكان دون آخر أو زمان لا تصح نيته بالاتفاق. ا هـ. وفي البدائع حلف لا يركب ونوى الخيل لا يصدق قضاء، ولا ديانة، وفي فتح القدير حلف لا يغتسل أو لا ينكح، وعنى من جنابة أو امرأة دون امرأة لا يصدق أصلا، وكذا لا يسكن دار فلان، وعنى بأجر، ولم يسبق قبل ذلك كلام بأن استأجرها منه أو استعارها فأبى فحلف ينوي السكن بالإجارة والإعارة لا يصح أصلا، وكذلك لو حلف لا يتزوج امرأة ونوى كوفية أو بصرية لا يصح؛ لأنه نية تخصيص الصفة، ولو نوى حبشية أو عربية صحت ديانة؛ لأنه تخصيص في الجنس، وفي البدائع لو حلف لا يكلم هذا الرجل، وعنى به ما دام قائما لكنه لم يتكلم بالقيام كانت نيته باطلة وحنث إن كلمه، ولو حلف لا يكلم هذا القائم، وعنى به ما دام قائما دين لورود التخصيص على الملفوظ. وكذلك إذا قال والله لأضربن فلانا خمسين، وهو ينوي بسوط بعينه فبأي شيء ضربه فقد خرج من يمينه والنية باطلة، ولو قال والله لا أتزوج امرأة، وعنى امرأة كان أبوها يعمل كذا، وكذا فهو باطل. ا هـ. وخرج عن هذا الأصل فعل الخروج والمساكنة فإذا قال إن خرجت فعبدي حر ونوى السفر مثلا يصدق ديانة فلا يحنث بالخروج إلى غيره تخصيصا لنفس الخروج بخلاف ما إذا نوى الخروج إلى مكان خاص كبغداد حيث لا يصح؛ لأن المكان غير مذكور، وكذا لو حلف لا يساكن فلانا ونوى المساكنة في بيت واحد يصح قالوا؛ لأن الخروج في نفسه متنوع إلى سفر وغيره حتى اختلفت أحكامها، وكذا المساكنة متنوعة إلى كاملة، وهي المساكنة في بيت واحد، وإلى مطلقة، وهي ما تكون في دار، وفيه بحث مذكور في فتح القدير. (قوله: ولو زاد ثوبا أو طعاما أو شرابا دين) أي قبل منه نية التخصيص ديانة لا قضاء؛ لأنه نكرة في الشرط فتعم كالنكرة في النفي لكنه خلاف الظاهر فلا يصدقه القاضي، وفي البدائع قال والله لا أتزوج امرأة على وجه الأرض ينوي امرأة بعينها قال يصدق فيما بينه وبين الله تعالى بخلاف ما إذا قال لا أشتري جارية ونوى متولدة فإن نيته باطلة؛ لأنه تخصيص الصفة فأشبه الكوفية والبصرية. ا هـ. قيد المصنف رحمه الله بكونه نوى البعض دون البعض؛ لأنه لو نوى الكل صدق قضاء وديانة، ولا يحنث أصلا لما في المحيط لو حلف لا يأكل طعاما أو لا يشرب شرابا، وعنى جميع الأطعمة أو جميع مياه العالم يصدق في القضاء، وفي البدائع لو قال والله لا آكل الطعام أو لا أشرب الماء أو لا أتزوج النساء فيمينه على بعض الجنس، وإن أراد به الجنس صدق؛ لأنه نوى ما هو حقيقة كلامه، وفي الكشف الكبير إذا قال والله لا أشرب ماء أو الماء أو لا آكل طعاما أو الطعام أنه يقع على الأدنى؛ لأنه هو المتيقن، وهو الكل لولا غيره فيكون فيه معنى الجنسية أيضا، وإن نوى الكل صحت نيته فيما بينه وبين الله تعالى حتى لا يحنث أصلا؛ لأنه نوى محتمل كلامه؛ لأنه فرد من حيث إنه اسم جنس لكنه عدد من وجه فلم يتناوله الفرد إلا بالنية كذا في شرح الجامع لفخر الإسلام، وهذا يشير إلى أنه لا يصدق قضاء إن كان اليمين بطلاق أو نحوه؛ لأنه خلاف الظاهر إذ الإنسان إنما يمنع نفسه باليمين عما يقدر عليه وشرب كل المياه ليس في وسعه، وفيه تخفيف عليه أيضا. وقال شمس الأئمة قالوا: وإطلاق الجواب دليل على أنه يصدق قضاء وديانة إن كان اليمين بطلاق ونحوه؛ لأنه نوى حقيقة كلامه، وعن أبي القاسم الصفار أنه لا يصدق قضاء؛ لأنه نوى حقيقة لا تثبت إلا بالنية فصار كأنه نوى المجاز. ا هـ. ثم اعلم أن الفرق بين الديانة والقضاء إنما يظهر في الطلاق والعتاق، وأما في الحلف بالله تعالى فلا يظهر؛ لأن الكفارة حق الله ليس للعبد فيها حق حتى يرفع الحالف إلى القاضي، وفي الواقعات إذا استحلف الرجل بالله، وهو مظلوم فاليمين على ما نوى، وإن كان ظالما فاليمين على نية من استحلفه وبه أخذ أبو حنيفة ومحمد، وفي اليمين بالطلاق اليمين على نية الحالف وفي الولوالجية من الطلاق نية تخصيص العام لا تصح، وعند الخصاف تصح حتى إن من حلف، وقال كل امرأة أتزوجها فهي طالق ثم قال نويت به من بلدة كذا لا تصح نيته في ظاهر المذهب، وقال الخصاف تصح، وكذا من غصب دراهم إنسان ووقت ما حلفه الخصم عاما نوى خاصا لا تصح نيته في ظاهر المذهب، وقال الخصاف تصح لكن هذا في القضاء أما فيما بينه وبين الله تعالى نية تخصيص العام صحيحة بالإجماع مذكور في الكتب من مواضع منها الباب الخامس من أيمان الجامع الكبير، وما قاله الخصاف مخلص لمن حلفه ظالم والفتوى على ظاهر المذهب فمتى وقع في يد الظلمة، وأخذ بقول الخصاف لا بأس به. ا هـ. (قوله: لا يشرب من دجلة على الكرع بخلاف ماء دجلة) يعني لو حلف لا يشرب من دجلة فيمينه على الكرع، وهو تناول الماء بالفم من موضعه نهرا أو إناء كما في المغرب فلا يحنث لو شرب بإناء أو بيده بخلاف ما لو حلف لا يشرب من ماء دجلة فإنه يحنث بالشرب من إناء أو غيره؛ لأنه بعد الاغتراف بقي منسوبا إليه، وهو الشرط، وقالا هما سواء فيحنث بالشرب من إناء؛ لأنه المتعارف المفهوم، وله أن كلمة من للتبعيض وحقيقته في الكرع، وهي مستعملة، ولهذا يحنث بالكرع إجماعا فمنعت المصير إلى المجاز، وإن كان متعارفا، والتقييد بدجلة اتفاقي؛ لأن الفرات والنيل كذلك بل، وكل نهر، وقيد بالنهر؛ لأنه لو حلف لا يشرب من هذا البئر أو من هذا الجب فإنه يحنث بشربه بالإناء إجماعا؛ لأنه لا يمكن فيه الكرع فتعين المجاز، وإن كان يمكن الكرع فعلى الخلاف، ولو تكلف وشرب بالكرع فيما لا يمكن الكرع لا يحنث؛ لأن الحقيقة والمجاز لا يجتمعان. وأشار المصنف إلى أنه لو شرب من نهر يأخذ من دجلة لا يحنث في المسألة الأولى لعدم الكرع في دجلة لحدوث النسبة إلى غيره ويحنث في الثانية؛ لأن يمينه انعقدت على شرب ماء منسوب إليها، وهي لم تنقطع بمثله ونظيره ما إذا حلف لا يشرب من ماء هذا الجب فحول إلى جب آخر فشرب منه حنث. وفي البدائع لو حلف لا يشرب من ماء دجلة فهذا، وقوله لا أشرب من دجلة سواء؛ لأنه ذكر الشرب من النهر فكان على الاختلاف، ولو حلف لا يشرب من نهر يجري ذلك النهر إلى دجلة فأخذ من دجلة من ذلك الماء فشربه لم يحنث؛ لأنه قد صار من ماء دجلة لزوال الإضافة إلى النهر الأول بحصوله في دجلة، ولو حلف لا يشرب من ماء المطر فمدت الدجلة من المطر فشرب لم يحنث؛ لأنه إذا حصل في الدجلة انقطعت الإضافة إلى المطر فإن شرب من ماء واد سال من المطر لم يكن فيه ماء قبل ذلك أو جاء من ماء مطر مستنقع حنث؛ لأنه لما لم يضف إلى نهر بقيت الإضافة إلى المطر كما كانت. ا هـ. وفي الظهيرية لو حلف لا يشرب من الفرات لم يحنث ما لم يكرع عند أبي حنيفة، وهي معروفة غير أنا ذكرناها لفائدة، وهي أن تفسير الكرع عند أبي حنيفة أن يخوض الإنسان في الماء ويتناول الماء بفمه من موضعه، ولا يكون الكرع إلا بعد الخوض في الماء فإنه من الكراع، وهو من الإنسان ما دون الركبة، ومن الدواب ما دون الكعب كذا قال الشيخ الإمام نجم الدين النسفي. ا هـ. وفي المحيط لو حلف لا يشرب من هذا الكوز فحقيقته أن يشرب منه كرعا حتى لو صب على كفه وشرب لا يحنث، ولو نوى بقوله لا أشرب من الفرات ماء الفرات قيل تصح نيته؛ لأنه نوى ما يحتمله لفظه ؛ لأن الشرب لا يتحقق بدون الماء فكان الماء مضمرا فيه، وقيل لا تصح نيته؛ لأنه نوى تعميم المقتضى فإن الماء غير ملفوظ به، وإنما يثبت مقتضى ذكر الشرب والمقتضى لا عموم له فتكون نية التعميم فيه باطلة. ولو حلف لا يشرب من ماء فرات أو ماء فراتا فشرب من ماء دجلة أو من ماء عذب حنث؛ لأنه ذكر الفرات صفة للماء؛ لأنه عبارة عن العذب قال تعالى: {وأسقيناكم ماء فراتا} أي ماء عذبا بخلاف ماء الفرات؛ لأنه أضافه إلى الفرات فقد أراد بالفرات نهر الفرات. ا هـ. وفي المجتبى: ولجنس هذه المسائل أصل حسن، وهو أنه متى عقد يمينه على شيء ليس له حقيقة مستعملة، وله مجاز متعارف يحمل على المجاز إجماعا كما إذا حلف لا يأكل من هذه النخلة، وإن كان له حقيقة متعارفة يحمل على الحقيقة إجماعا كمن حلف لا يأكل لحما، وإن كان له حقيقة مستعملة، ومجاز متعارف فعنده يحمل على الحقيقة، وعندهما يحمل عليهما، ولكن لا بطريق الجمع بين الحقيقة والمجاز، ولكن بمجاز يعم أفرادهما، وهو الأصح ويبتني عليه مسائل كثيرة منها ما مرت، ومنها مسألة أكل الحنطة والدقيق. ا هـ. بلفظه. فقد صحح قولهما في هذه المسائل، وهو خلاف المنقول في الأصول عنهما فإنهم نقلوا أن عندهما المجاز المتعارف أولى من الحقيقة لا أنه يحمل عليهما. ثم اعلم أن الشرب أن يوصل إلى جوفه ما لا يتأتى فيه الهشم مثل الماء والنبيذ واللبن فإذا حلف لا يشرب هذا اللبن فأكله لا يحنث، ولو شربه يحنث، وأكل اللبن أن يثرد فيه الخبز ويؤكل وشربه أن يشرب كما هو، ولو حلف لا يشرب هذا العسل فأكله كذلك لا يحنث، ولو صب عليه ماء وشربه حنث، ولو حلف لا يشرب مع فلان فإن شرب شرابا، وفلان شرب شرابا من نوع آخر حنث، ولو حلف لا يشرب شرابا، ولا نية له فأي شراب شربه من ماء أو غيره يحنث إذ الشرب اسم لما يشرب، وفي حيل المبسوط إذا حلف لا يشرب الشراب، ولا نية له فهو على الخمر قال شمس الأئمة الحلواني فإذا في المسألة روايتان، وفي فتاوى أهل سمرقند لا يحنث بشرب الماء، وإذا حلف لا يشرب لبنا فصب الماء في اللبن فالأصل في هذه المسألة، وأجناسها أن الحالف إذا عقد يمينه على مائع فاختلط ذلك المائع بمائع آخر من خلاف جنسه إن كانت الغلبة للمحلوف عليه يحنث، وإن كانت الغلبة لغير المحلوف عليه لا يحنث، وإن كانا سواء القياس أن يحنث، وفي الاستحسان لا يحنث فسر أبو يوسف الغلبة فقال: إن كان يستبين لون المحلوف عليه ويوجد طعمه، وقال محمد تعتبر الغلبة من حيث الأجزاء هذا إذا اختلط الجنس بغير الجنس. أما إذا اختلط الجنس بالجنس كاللبن يختلط بلبن آخر فعند أبي يوسف هذا والأول سواء يعني يعتبر الغالب غير أن الغلبة من حيث اللون والطعم لا يمكن اعتبارها هنا فيعتبر بالقدر، وعند محمد يحنث هاهنا بكل حال؛ لأن الجنس لا يستهلك الجنس قالوا هذا الاختلاف فيما يمتزج ويختلط أما ما لا يمتزج، ولا يختلط كالدهن، وكان الحلف على الدهن يحنث بالاتفاق كذا في الظهيرية. (قوله:): (إن لم أشرب ماء هذا الكوز اليوم فكذا، ولا ماء فيه أو كان فصب أو أطلق، ولا ماء فيه لا يحنث، وإن كان فصب حنث) بيان لشرط من شروط انعقاد اليمين، وهو إمكان تصور البر في المستقبل، وكذا من شرط بقائها، وهذا عند أبي حنيفة ومحمد، وقال أبو يوسف لا يشترط؛ لأنه يمكن القول بالانعقاد موجبا للبر على وجه يظهر في حق الحلف، وهو الكفارة، ولهما أنه لا بد من تصور الأصل لتنعقد في حق الحلف وبهذا لا تنعقد الغموس موجبة للكفارة، ولا فرق على هذا الخلاف بين اليمين بالله تعالى أو بالطلاق، ولهذا صورها في المختصر بيمين الطلاق أو العتاق، وقد ذكر المصنف مسألة الكوز، وهي مفرعة على هذا الأصل، وذكر أنها على أربعة أوجه وجهان في المقيدة ووجهان في المطلقة أما في المقيدة فهي على وجهين إما أن لا يكون فيه ماء أصلا أو كان فيه ماء وقت الحلف ثم صب قبل مضي الوقت، وفي كل منهما لا يحنث لعدم انعقاد اليمين في الأول، ولبطلانها عند الصب في الثاني عندهما، ولا فرق في الوقت بين أن يكون اليوم أو الشهر أو الجمعة. وأما المطلقة فعلى وجهين إما أن لا يكون فيه ماء أصلا فلا يحنث لعدم انعقاد اليمين أو كان فيه وصب فإنه يحنث لانعقادها لإمكان البر ثم يحنث بالصب؛ لأن البر يجب عليه كما فرغ فإذا صب فقد فات البر فيحنث في ذلك الوقت كما لو مات الحالف والماء باق وظاهر كلامهم أنه لا فرق بين أن يكون قد صبه هو أو غيره أو مال الكوز فانصب ما فيه من غير فعل أحد، وأما عند أبي يوسف فيحنث في الوجوه كلها غير أنه في المؤقت يحنث في آخر الوقت، وفي المطلق يحنث للحال إن لم يكن فيه ماء، وإن كان فيه ماء يحنث عند الصب، وأطلق المصنف في عدم حنثه في المسائل الثلاثة فشمل ما إذا علم الحالف أن فيه ماء أو لا، وما إذا علم أن لا ماء فيه، وقيده الإسبيجابي بعدم علمه بأن لا ماء فيه، وأما إذا علم بأن لا ماء فيه يحنث بالاتفاق. ا هـ.؛ لأنه إذا علم وقعت يمينه على ما يخلق الله تعالى فيه، وقد تحقق العدم فيحنث وروي عن أبي حنيفة في رواية أخرى أنه قال لا يحنث علم أو لم يعلم، وهو قول زفر. ا هـ. وصحح في التبيين هذه الرواية في شرح قوله إن لم أقتل فلانا فكذا، ولذا أطلق هنا في المختصر وجزم بالإطلاق في فتح القدير، وقد تفرع على هذا الأصل مسائل: منها ما لو حلف ليقتلن زيدا اليوم فمات زيد قبل مضي اليوم لا يحنث عند هما كما سيأتي بيانه. ومنها لو حلف ليأكلن هذا الرغيف اليوم فأكله غيره قبل الليل. ومنها لو حلف ليقضين فلانا دينه غدا، وفلان قد مات، ولا علم له أو مات أحدهما قبل مضي الغد أو قضاه قبله أو أبرأه فلان قبله لم تنعقد، ومنها ما لو قال لزيد إن رأيت عمرا فلم أعلمك فعبدي حر فرآه مع زيد فسكت، ولم يقل شيئا أو قال هو عمرو لا يعتق عندهما. ومنها لو حلف لا يعطيه حتى يأذن فلان فمات فلان ثم أعطاه لم يحنث، وكذا ليضربنه أو ليكلمنه، ومنها لو قال رجل لامرأته إن لم تهبي لي صداقك اليوم فأنت طالق، وقال أبوها إن وهبت له صداقك فأمك طالق فحيلة عدم حنثهما أن تشتري منه بمهرها ثوبا ملفوفا وتقبضه فإذا مضى اليوم لم يحنث أبوها؛ لأنها لم تهب صداقها، ولا الزوج؛ لأنها عجزت عن الهبة عند الغروب؛ لأن الصداق سقط عن الزوج بالبيع ثم إذا أرادت عود الصداق ردته بخيار الرؤية الكل في فتح القدير، ومنها ما في الولوالجية من تعليق الطلاق رجل قال إن لم أدخل الليلة البلد، ولم ألق فلانا فامرأته طالق فدخل، ولم يصادفه في منزله فلم يلقه حتى أصبح إن كان عالما بأنه غاب عن المنزل وقت الحلف يحنث، وإن لم يكن عالما لا يحنث. ا هـ. ومنها ما في المبتغى، وفي يمينه لامرأته إن لم تصل صلاة الفجر غدا فأنت كذا لا يحنث بحيضها بكرة في الأصح. ا هـ. ومنها لو قال لامرأته بعدما أصبح إن لم أجامعك هذه الليلة فأنت طالق، ولم تكن له نية، وكان يعلم أنه أصبح وقع يمينه على الليلة القابلة؛ لأنه حلف نهارا فينصرف إلى الليلة القابلة المستقبلة، وإن نوى تلك الليلة لا تنعقد اليمين عند أبي حنيفة ومحمد فرعا لمسألة الكوز. ومنها قال إن نمت هذه الليلة في هذه الدار فامرأته كذا، وقد انفجر الصبح، وهو لا يعلم لا يحنث في يمينه؛ لأن شرط الحنث، وهو النوم في الليلة الماضية لا يتصور فصار كأنه قال إن صمت أمس فامرأته طالق لا يحنث في يمينه. ومنها ما لو قال إن لم أبت الليلة في هذه الدار والمسألة بحالها فكذلك في قولهما. ومنها لو غاب الرجل عن داره ساعة ثم رجع فظن أن المرأة غائبة عن الدار فقال: إن لم آت بامرأتي إلى داري الليلة فهي طالق ثلاثا فلما أصبح قالت المرأة كنت في هذه الدار لم يحنث عند أبي حنيفة ومحمد؛ لأن اليمين لم تنعقد، وإن قالت كنت غائبة فإن صدقها الزوج طلقت؛ لأن الزوج أقر بالطلاق، ومنها ما لو قال إن لم تردي الدينار الذي أخذتيه من كيسي فأنت طالق فإذا الدينار في كيسه لم تطلق؛ لأن البر هنا لم يتصور فلم تنعقد اليمين فلا يترتب الحنث بمنزلة مسألة الكوز، ومنها قوم حلفهم السلطان على أن يؤدوا خراج تلك البلدة إلى وقت معلوم فأدي الخراج كله لكن بعضهم بغير أمر الباقين أو أدى الخراج كله رجل واحد غيرهم بغير أمرهم لم يحنثوا في قول أبي حنيفة ومحمد؛ لأنه لما أدى واحد منهم أو غيرهم لم يبق الخراج عليهم فلا يتصور شرط البر فتبطل اليمين عندهما؛ لأنها مؤقتة بوقت الكل في الواقعات، وقد قدمنا شيئا من مسائل هذا النوع في تعلق الطلاق عند قولهم وزوال الملك بعد اليمين لا يبطلها. (قوله: حلف ليصعدن السماء أو ليقلبن هذا الحجر ذهبا حنث للحال) يعني عندنا، وقال زفر لا تنعقد؛ لأنه مستحيل عادة فأشبه المستحيل حقيقة، ولنا أن البر متصور حقيقة بكسر الواو أي ممكن؛ لأن الصعود إلى السماء ممكن حقيقة ألا ترى أن الملائكة يصعدونها، وكذا تحول الحجر ذهبا بتحويل الله تعالى بجعله صفة الحجرية صفة الذهبية أو بإعدام الأجزاء الحجرية، وإبدالها بأجزاء ذهبية فالتحويل في الأول أظهر، وهو ممكن عند المتكلمين على ما هو الحق، وإذا كان متصورا تنعقد اليمين موجبة لحلفه ثم يحنث بحكم العجز الثابت عادة كما إذا مات الحالف فإنه يحنث مع احتمال إعادة الحياة وبخلاف مسألة الكوز؛ لأن شرب الماء الذي في الكوز وقت الحلف، ولا ماء فيه لا يتصور فلم تنعقد. قيد بكون اليمين مطلقة؛ لأنها لو كانت مؤقتة فإنه لا يحنث حتى يمضي ذلك الوقت حتى لو مات قبله لا كفارة عليه إذ لا حنث، وهو المختار، وقيد بالفعل؛ لأنه لو حلف على الترك بأن قال إن تركت مس السماء فعبدي حر لم تنعقد يمينه؛ لأن الترك لا يتصور في غير المقدور. (قوله:): (لا يكلمه فناداه، وهو نائم فأيقظه أو إلا بإذنه فأذن له، ولم يعلم حنث)؛ لأنه في المسألة الأولى كلمه وقد وصل إلى سمعه، وقد شرط المصنف أن يوقظه، وهي رواية المبسوط، وعليه مشايخنا، وهو المختار؛ لأنه إذا لم ينتبه كان كما إذا ناداه من بعيد، وهو بحيث لا يسمع صوته لا يحنث، ولم يشترطه القدوري كما إذا ناداه، وهو بحيث يسمع لكنه لم يفهم لتغافله، وهي من المسائل التي جعل النائم فيها كالمستيقظ، وهي خمس وعشرون ذكرناها في باب التيمم وصحح الإمام السرخسي الحنث، وإن لم يوقظه لما ذكره محمد في السير الكبير إذا نادى المسلم أهل الحرب بالأمان من موضع يسمعون صوته إلا أنهم لا يسمعون لشغلهم بالحرب فهو أمان. ا هـ. وقد فرق بأن الأمان يحتاط في إثباته، وقيد بكونه نائما؛ لأنه لو كان مستيقظا حنث إن كان بحيث يسمع صوته إن أصغى إليه أذنه، وإن لم يسمع لعارض أمر كان مشغولا به أو كان أصم، وإن كان لا يسمع صوته لو أصغى إليه أذنه لشدة البعد لا يحنث كذا في الذخيرة، وفيها لا يحنث حتى يكلمه بكلام مستأنف بعد اليمين منقطع عنها لا متصل بها فلو قال موصولا إن كلمتك فأنت طالق فاذهبي أو اخرجي أو قومي أو شتمها أو زجر متصلا لا يحنث؛ لأن هذا من تمام الكلام الأول فلا يكون مرادا باليمين إلا أن يريد به كلاما مستأنفا، وفي المنتقى لو قال فاذهبي أو واذهبي لا تطلق، ولو قال اذهبي طلقت؛ لأنه منقطع عن اليمين، وفي نوادر ابن سماعة عن محمد لا أكلمك يوما أو غدا حنث؛ لأنه كلمه اليوم بقوله أو غدا. ا هـ. وتعقبه في فتح القدير بأنه لا شك في عدم صحته؛ لأنه كلام واحد فإنه إذا أراد أن يحلف على أحد الأمرين لا يقال إلا كذلك، وعن هذا إذا قال لآخر إذا ابتدأتك بكلام فعبدي حر فالتقيا فسلم كل على الآخر معا لا يحنث وانحلت يمينه لعدم تصور أن يكلمه بعد ذلك ابتداء، ولو قال لها إن ابتدأتك بكلام، وقالت له هي كذلك لا يحنث إذا كلمها؛ لأنه لم يبتدئها، ولا يحنث بعد ذلك لعدم تصور ابتدائها، ولو حلف لا يكلمه فسلم على قوم هو فيهم حنث إلا أن لا يقصده فيصدق ديانة لا قضاء. أما لو قال السلام عليكم إلا على واحد صدق قضاء عندنا، ولو سلم من الصلاة فإن كان إماما قيل إن كان المحلوف عليه عن يمينه لا يحنث، وإن كان عن يساره حنث؛ لأن الأولى واقعة في الصلاة فلا يحنث بها بخلاف الثانية، وقيل لا يحنث بهما؛ لأنهما في الصلاة من وجه، وكذا عن محمد أنه لا يحنث بهما، وهو الصحيح، ولو دق عليه الباب فقال من حنث، ولو ناداه المحلوف عليه فقال لبيك أو لبى حنث، ولو كلمه الحالف بكلام لم يفهمه المحلوف عليه ففيه روايتان، ولو أراد أن يأمر بشيء فقال: وقد مر المحلوف عليه يا حائط اسمع افعل كيت، وكيت فسمعه المحلوف عليه، وفهمه لا يحنث لما روي أن عبد الرحمن بن عوف حلف لا يكلم عثمان فكان إذا مر به يقول يا حائط اصنع كذا كذا ويا حائط كان كذا، ولو قال لامرأته إن شكوت مني إلى أخيك فأنت طالق فجاء أخوها، وعندها صبي لا يعقل فقالت المرأة إن زوجي فعل بي كذا، وكذا وخاطبت الصبي بذلك حتى سمع أخوها لا تطلق؛ لأنها ما شكت إليه؛ لأنها لم تخاطبه، ولو قال إن شكوت بين يدي أخيك قال في الكتاب هذا أشد يريد به أنه يخاف عليه أن يحنث والظاهر أنه لا يحنث؛ لأنه يراد في العرف بالشكاية بين يديه الشكاية إليه كذا في الواقعات. ولو حلف لا يتكلم فناول امرأته شيئا فقال ها حنث، ولو جاءه كافر يريد الإسلام فبين صفة الإسلام مسمعا له، ولا يوجه إليه لم يحنث، وفي المحيط لو سبح الحالف للمحلوف عليه للسهو أو فتح عليه القراءة، وهو مقتد لم يحنث وخارج الصلاة يحنث، ولو كتب إليه كتابا أو أرسل إليه رسولا لا يحنث؛ لأنه لا يسمى كلاما عرفا خلافا لمالك وأحمد واستدلالهم بقوله تعالى: {وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا} إلى قوله: {أو يرسل رسولا} أجيب عنه بأن مبنى الأيمان على العرف. واعلم أن الكلام لا يكون إلا باللسان فلا يكون بالإشارة، ولا بالكتابة، والإخبار والإقرار والبشارة تكون بالكتابة لا بالإشارة والإيماء، والإظهار والإفشاء والإعلام يكون بالإشارة أيضا فإن نوى في ذلك كله أي في الإظهار والإفشاء والإعلام والإخبار كونه بالكلام والكتابة دون الإشارة دين فيما بينه وبين الله تعالى، ولو حلف لا يحدثه لا يحنث إلا أن يشافهه، وكذا لا يكلمه يقتصر على المشافهة، ولو قال لا أبشره فكتب إليه حنث، وفي قوله إن أخبرتني أن فلانا قدم ونحوه يحنث بالصدق والكذب، ولو قال بقدومه ونحوه فعلى الصدق خاصة، وكذا إن أعلمتني، وكذا البشارة، ومثله إن كتبت إلي أن فلانا قدم فكتب قبل قدومه فوصل إليه الكتاب حنث سواء وصل إليه قبل قدومه أو بعده بخلاف إن كتبت إلي بقدومه لا يحنث حتى يكتب بقدومه الواقع وذكر هشام عن محمد سألني هارون الرشيد عمن حلف لا يكتب إلى فلان فأمر من يكتب إليه بإيماء أو إشارة هل يحنث فقلت: نعم يا أمير المؤمنين إذا كان مثلك قال السرخسي، وهذا صحيح؛ لأن السلطان لا يكتب بنفسه، وإنما يأمر به، ومن عادتهم الأمر بالإيماء والإشارة، ولو حلف لا يقرأ كتاب فلان فنظر فيه حتى فهمه لا يحنث عند أبي يوسف ويحنث عند محمد؛ لأن المقصود الوقوف على ما فيه لا عين التلفظ به، ولو حلف لا يكلم فلانا، وفلانا لم يحنث بكلام أحدهما إلا أن ينوي كلا منهما فيحنث بكلام أحدهما، وعليه الفتوى، وإن ذكر خلافه في بعض المواضع كذا في فتح القدير. ولو قال لا أبلغك شيئا فكتب إليه حنث، ولو قال لا أذكرك شيئا فهو على المواجهة، ولا يحنث بالكتابة، ولو قال لا أظهر سرك، ولا أفشي أبدا فإن صرح إلى رجل واحد وذكره فقد أفشى سره، وكذلك يحنث بالكتابة والرسالة إلى إنسان كذا في المحيط، وفي الواقعات حلف أن لا يكذب فسأله إنسان عن أمر فحرك رأسه بالكذب لا يحنث ما لم يتكلم؛ لأن الكذب تكلم بكلام هو كذب ابن بين زيد، وعمرو حلف رجل لا يكلم ابن زيد وحلف الآخر لا يكلم ابن عمرو فكلما هذا الابن حنثا؛ لأن كل واحد كلم ابن من سمى إن كلمت امرأة فعبدي حر فكلم صبية لم يحنث، ولو قال إن تزوجت امرأة فتزوج صبية حنث؛ لأن الصبا مانع من هجران الكلام فلا تراد الصبية في اليمين المعقودة على الكلام عادة، ولا كذلك التزوج. ا هـ. وفي الظهيرية حلف لا يكلم امرأته فدخل داره، وليس فيها غيرها فقال من وضع هذا حنث، ولو كان معها غيرها لا يحنث، ولو قال ليت شعري من وضع هذا لا يحنث؛ لأنه استفهم نفسه، ولو قرأ الحالف كتابا على المحلوف عليه والمحلوف عليه يكتب إن قصد الحالف إملاء المحلوف عليه قالوا يخاف عليه الحنث. ا هـ. وفي السراجية عن محمد بن الحسن أنه سأل حال صغره أبا حنيفة فيمن قال لآخر والله لا أكلمك ثلاث مرات فقال أبو حنيفة ثم ماذا فتبسم محمد رحمه الله، وقال انظر حسنا يا شيخ فنكس أبو حنيفة ثم رفع رأسه فقال حنث مرتين فقال له محمد أحسنت فقال أبو حنيفة لا أدري أي الكلمتين أوجع لي قوله: انظر حسنا أو أحسنت. ا هـ. وأما المسألة الثانية وهي ما إذا حلف لا يكلمه إلا بإذنه فأذن له، ولم يعلم بالإذن حتى كلمه فلان الإذن مشتق من الأذان الذي هو الإعلام أو من الوقوع في الأذن، وكل ذلك لا يتحقق إلا بالسماع، وقال أبو يوسف لا يحنث؛ لأن الإذن هو الإطلاق، وأنه يتم بالإذن كالرضا قلنا الرضا من أعمال القلب، ولا كذلك الإذن على ما مر، ولا يخالفه ما في التتمة والفتاوى الصغرى إذا أذن المولى لعبده والعبد لا يعلم لا يصح الإذن حتى إذا علم يصير مأذونا؛ لأن الإذن يثبت موقوفا على العلم فليس له قبل العلم حكم الإذن، ولذا قال في الشامل إذا أذن لعبده فلم يعلم به أحد من الناس فتصرف العبد ثم علم بإذنه لم يجز تصرفه. (قوله: لا يكلمه شهرا فهو من حين حلف)؛ لأنه لو لم يذكر الشهر تتأبد اليمين فذكر الشهر لإخراج ما وراءه فبقي ما يلي يمينه داخلا عملا بدلالة الحال بخلاف ما إذا قال والله لأصومن شهرا أو لأعتكفن شهرا؛ لأنه لو لم يذكر الشهر لا تتأبد اليمين فكان ذكره لتقدير الصوم به، وأنه منكر فالتعيين إليه بخلاف ما إذا قال إن تركت الصوم شهرا فإنه يتناول شهرا من حين حلف؛ لأن تركه مطلقا يتناول الأبد فذكر الوقت لإخراج ما وراءه فهو كقوله إن تركت كلامه شهرا، وإن لم أساكنه شهرا، ونظيره إذا آجره شهرا، وكذا آجال الديون، وأما الأجل في قوله كفلت لك بنفسك إلى شهر اختلف في أنها لبيان ابتداء المدة أو لانتهائها فعن أبي يوسف لانتهاء المطالبة فلا يلزم بإحضاره بعد الشهر، وألحقاها بآجال الديون فجعلاها لبيان ابتدائها فلا يلزم بإحضارها قبل الشهر، وهو أحسن؛ لأن الأجل في مثله للترفية كذا في فتح القدير، وفي البدائع، ولو حلف لا يكلمه شهرا يقع على ثلاثين يوما، ولو قال الشهر يقع على بقية الشهر، ولو حلف لا يكلمه السنة يقع على بقية السنة. وأشار المصنف إلى أنه لو حلف بالليل لا يكلمه يوما فإنه يحنث بكلامه من حين حلف إلى أن تغيب الشمس من الغد يدخل في يمينه بقية الليل حتى لو كلمه فيما بقي من الليل أو في الغد يحنث؛ لأن ذكر اليوم للإخراج، وكذا لو حلف بالنهار لا يكلمه ليلة حنث بكلامه من حين حلف إلى طلوع الفجر، ولو قال في بعض النهار لا أكلمه يوما فاليمين على بقية اليوم والليلة المستقبلة إلى مثل تلك الساعة التي حلف فيها من الغد؛ لأنه حلف على يوم منكر فلا بد من استيفائه، ولا يمكن استيفاؤه إلا بإتمامه من اليوم الثاني فيدخل الليل بطريق التبع، وكذا إذا حلف لا يكلمه ليلة فاليمين من تلك الساعة إلى أن يجيء مثلها من الليلة المستقبلة فيدخل النهار الذي بينهما في ذلك؛ لأنه حلف على ليلة منكرة فلا بد من الاستيفاء فإن قال في بعض اليوم والله لا أكلمك اليوم فاليمين على ما بقي من اليوم فإذا غربت الشمس سقطت اليمين، وكذلك إذا قال بالليل والله لا أكلمك الليلة فإذا طلع الفجر سقطت، ولو قال والله لا أكلمك اليوم، ولا غدا فاليمين على بقية اليوم، وعلى غد، ولا تدخل الليلة التي بينهما في اليمين كذا في البدائع، وفي الواقعات حلف لا يكلمه اليوم ولا غدا، ولا بعد غد فله أن يكلمه بالليل؛ لأنها أيمان ثلاثة، ولو لم يكرر حرف النفي فهي يمين واحدة فيدخل الليل بمنزلة قوله ثلاثة أيام، وفي الظهيرية، ولو قال والله لا أكلمك شهرا إلا يوما، ولا نية له فله أن يختار أي يوم شاء، ولو قال شهرا إلا نقصان يوم فهو على تسعة وعشرين يوما، وهو مخالف للأول ا هـ. (قوله: لا يتكلم فقرأ القرآن أو سبح لا يحنث)؛ لأنه لا يسمى متكلما عادة وشرعا أطلقه فشمل ما إذا كان في الصلاة أو خارجها فإن كان في الصلاة فهو متفق عليه، وإن كان خارجها فاختار القدوري الحنث واختار خواهر زاده عدمه لما ذكرنا، وفي فتح القدير أنه اختير للفتوى من غير تفصيل بين عقد اليمين بالعربية أو بالفارسية، وإن كان ظاهر المذهب التفصيل الذي ذكره القدوري؛ لأن مبنى الأيمان على العرف، وفي العرف المتأخر لا يسمى التسبيح والقرآن كلاما حتى إنه يقال لمن يسبح طول يومه أو يقرأ لم يتكلم اليوم بكلمة. ا هـ. لكن في الواقعات المختار للفتوى أن اليمين إذا كانت بالعربية لم يحنث بالقراءة في الصلاة ويحنث بالقراءة خارجها، وإن كانت بالفارسية لا يحنث مطلقا. ا هـ. فقد اختلفت الفتوى والإفتاء بظاهر المذهب أولى، وفي التهذيب للقلانسي الكلام في الحقيقة مفهوم ينافي الخرس والسكوت، وهو اختيار محققي أهل السنة لكن في العرف صوت مقطوع مفهوم يخرج من الفم، ولا تدخل فيه القراءة والتسبيح في الصلاة في عرفهم، وفي عرفنا لا تدخل في غير الصلاة أيضا، وكذا قراءة الكتب ظاهرا وباطنا في عرفنا. ا هـ. فأفاد أنه لا يحنث إذا قرأ كتابا أي كتاب كان قيد بكونه حلف أنه لا يتكلم؛ لأنه لو قال كلما تكلمت كلاما حسنا فأنت طالق ثم قال سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله والله أكبر طلقت واحدة، ولو قال سبحان الله الحمد لله لا إله إلا الله الله أكبر طلقت ثلاثا كذا في الظهيرية. وفي الواقعات حلف لا يقرأ القرآن اليوم فقرأ في الصلاة أو خارجها يحنث؛ لأنه قرأ القرآن، وإذا قرأ بسم الله الرحمن الرحيم فإذا نوى ما في سورة النمل يحنث، وإن نوى غير ما في سورة النمل أو لا نية له لم يحنث؛ لأنهم لا يريدون به قراءة القرآن، ولو حلف لا يقرأ سورة من القرآن فنظر فيها حتى إذا أتى إلى آخرها لا يحنث بالاتفاق أبو يوسف سوى بين هذا وبين ما إذا حلف لا يقرأ كتاب فلان ومحمد فرق فقال المقصود من قراءة كتاب فلان فهم ما فيه، وقد حصل أما المقصود من قراءة القرآن عين القراءة إذ الحكم متعلق به ثم عند محمد في قوله لا يقرأ كتاب فلان إذا قرأ سطرا حنث وبنصف السطر لا؛ لأن نصف السطر لا يكون مفهوم المعنى غالبا والفتوى على قول أبي يوسف ا هـ. (قوله: يوم أكلم فلانا فعلى الجديدين فإذا قال يوم أكلم فلانا فامرأته طالق فهو على الليل والنهار فإن كلمه ليلا أو نهارا حنث)؛ لأن اسم اليوم إذا قرن بفعل لا يمتد يراد به مطلق الوقت قال تعالى: {ومن يولهم يومئذ دبره} والكلام لا يمتد، وقد تقدم تحقيقه في فصل إضافة الطلاق إلى الزمان قيد بقوله يوم أكلم؛ لأنه لو قال والله لا أكلمك اليوم، ولا غدا فاليمين على بقية اليوم، وعلى غد، ولا تدخل الليلة التي بينهما في اليمين؛ لأنه أفرد كل واحد من الوقتين بحرف النفي فيصير كل واحد منهما منفيا على الإفراد أصله قوله تعالى: {فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج}، ولو قال والله لا أكلمك اليوم وغدا دخلت الليلة التي بين اليوم والغد في يمينه؛ لأنه هاهنا جمع بين الوقت الثاني وبين الأول بحرف الجمع، وهي الواو فصار وقتا واحدا فدخلت الليلة المتخللة، ولو حلف لا يكلمه يومين تدخل فيه الليلة سواء كان قبل طلوع الفجر أو بعده، وكذلك الجواب في الليل، ولو قال والله لا أكلمه يوما، ولا يومين فهو كقوله ثلاثة أيام في قول أبي يوسف ومحمد حتى لو كلمه في اليوم الأول أو الثاني أو الثالث يحنث وذكر محمد في الجامع أنه على يومين حتى لو كلمه في اليوم الأول أو الثاني يحنث، وإن كلمه في اليوم الثالث لا يحنث كذا في البدائع. (قوله: فإن نوى النهار صدق)؛ لأنه نوى حقيقة كلامه، وهو مستعمل فيه أيضا أطلق في تصديقه فشمل الديانة والقضاء، وعن أبي يوسف أنه لا يصدق قضاء. (قوله: وليلة أكمله على الليل)؛ لأنه حقيقة في سواد الليل كالنهار للبياض خاصة، ولا يجيء استعماله في مطلق الوقت بخلاف اليوم، وما ورد في أشعار بعض العرب من إطلاقها على مطلق الوقت فإنما هو في صيغة الجمع، وكلامنا في المفرد، وقدمنا أنه لو حلف لا يكلمه ليلة فاليمين من تلك الساعة إلى أن يجيء مثلها من الليلة المستقبلة فيدخل النهار الذي بينهما في ذلك، وإذا كان بالليل، وقال لا أكلمه الليلة فإذا طلع الفجر سقطت. (قوله: إن كلمته إلا أن يقدم زيد أو حتى أو إلا أن يأذن أو حتى فكذا فكلم قبل قدومه أو إذنه حنث وبعدهما لا) أي، وإن كلمه بعد القدوم أو الإذن لا يحنث؛ لأنه غاية واليمين باقية قبل الغاية، ومنتهية بعدها فلا يحنث بالكلام بعد انتهاء اليمين أما حتى فكونها للغاية ظاهر، وأما إلا أن فالأصل فيها أنها للاستثناء وتستعار للشرط والغاية إذا تعذر الاستثناء لمناسبة بينهما وهو أن حكم ما قبل كل واحد من الاستثناء والشرط والغاية يخالف ما بعده. قيد بالشرط؛ لأنه لو قال أنت طالق إلا أن يقدم فلان فإنه إن قدم فلان لا تطلق، وإن لم يقدم حتى مات فلان طلقت، وهي هنا للشرط كأنه قال إن لم يقدم فلان فأنت طالق، ولا تكون للغاية؛ لأنها إنما تكون لها فيما يحتمل التأقيت والطلاق مما لا يحتمله معنى فتكون فيه للشرط وتمامه في فتح القدير، وفي المحيط لو قال والله لا أكلمه في اليوم الذي يقدم فيه فلان فكلمه في اليوم الذي قدم فيه فلان قبل قدومه حنث؛ لأن شرط الحنث كلامه يوم القدوم، وقد وجد، وإن كلمه بعد القدوم قالوا يجب أن لا يحنث؛ لأنه لم يجعل القدوم شرطا؛ لأنه لم يقرن به حرف الشرط، ولكنه جعله معرفا لما هو شرط الحنث، وهو الكلام، وإنما يتصور القدوم معرفا للشرط إذا وجد الشرط قبله فأما إذا وجد بعده لا يتصور كونه معرفا؛ لأن من ضرورة كون الشيء معرفا تقدم ذلك الشيء عليه كما لو قال لامرأته أنت طالق قبل شهر رمضان بشهر كان رمضان معرفا لا شرطا، وكذا لو قال أنت طالق قبل قدوم فلان بشهر إذا قدم فلان قبل تمام الشهر لا تطلق، ولو عجل الكفارة قبل القدوم لا يصح؛ لأنه لا حنث قبل القدوم. ا هـ. (قوله: وإن مات زيد سقط الحلف) لما في الذخيرة إذ الأصل أن الحالف إذا جعل ليمينه غاية، وفاتت الغاية بطلت اليمين عند أبي حنيفة ومحمد حتى إن من قال لغيره والله لا أكلمك حتى يأذن لي فلان أو قال لغريمه والله لا أفارقك حتى تقضيني حقي فمات فلان قبل الإذن أو برئ من المال فاليمين ساقطة في قولهما خلافا لأبي يوسف، وعلى هذا لو حلف ليوفين ماله اليوم فأبرأه الطالب. وعلى هذا تخرج جنس هذه المسائل إذا قال إن فعلت كذا ما دمت ببخارى فكذا فخرج من بخارى ثم رجع، وفعل ذلك لا يحنث فيجب أن يعلم أن كلمة ما زال، وما دام، وما كان غاية تنتهي اليمين بها فإذا حلف لا يفعل كذا ما دام ببخارى فخرج تنتهي يمينه بالخروج فإذا عاد عاد واليمين منتهية فإذا فعل ذلك الفعل لا يحنث في يمينه كذا في فتاوى الفضلي، وعلى هذا إذا حلف لا يصطاد ما دام فلان في هذه البلدة، وفلان أمير هذه البلدة فخرج الأمير إلى بلدة أخرى لأمر فاصطاد الحالف قبل رجوعه أو بعد رجوعه لا يحنث في يمينه؛ لأن اليمين ينتهي بخروج الأمير، وفي فتاوى أبي الليث إذا حلف لا يدخل دار فلان ما دام فلان فيها فخرج فلان بأهله ثم عاد ودخل الحالف لا يحنث في يمينه، وفي العيون إذا حلف لا يكلم فلانا ما دام في هذه الدار فخرج بمتاعه، وأثاثه ثم عاد، وكلمه لا يحنث، وإذا قال والله لا أكلم فلانا ما دام عليه هذا الثوب أو ما كان عليه أو ما زال عليه فنزعه ثم لبسه، وكلمه لا يحنث، ولو قال لا أكلمه، وعليه هذا الثوب فنزعه ثم لبسه، وكلمه حنث؛ لأن في هذه الصورة ما جعل اليمين موقتة بوقت بل قيده بصفة فتبقى اليمين ما بقيت تلك الصفة. وفي فتاوى أبي الليث إذا قال لأبويه إن تزوجت ما دمتما حيين فكذا فتزوج امرأة في حياتهما حنث فلو تزوج امرأة أخرى في حياتهما لا يلزمه الحنث، ولو كان قال كل امرأة أتزوجها ما دمتما حيين يلزمه الحنث بكل امرأة يتزوجها ما داما حيين فإذا مات أحدهما سقط اليمين حتى لو تزوج امرأة بعد ذلك لا يلزمه حكم الحنث؛ لأن شرط الحنث التزوج ما داما حيين، ولا يتصور ذلك بعد موت أحدهما فيسقط، وإذا حلف لا يأكل هذا الطعام ما دام في ملك فلان فباع فلان بعضه ثم أكل الحالف الباقي لا يحنث؛ لأن اليمين قد انتهى ببيع البعض، ولو قال لغريمه والله لا أفارقك حتى تقضيني حقي اليوم ونيته أن لا يترك لزومه حتى يعطيه حقه فمضى اليوم، ولم يفارقه، ولم يعطه حقه لا يحنث فإن فارقه بعد مضي المدة يحنث، وكذلك إذا قال لا أفارقك حتى أقدمك إلى السلطان اليوم أو حتى يخلصك السلطان مني فمضى اليوم، ولم يفارقه، ولم يقدمه إلى السلطان، ولم يخلصه السلطان فهو سواء لا يحنث إلا بتركه، ولو قدم اليوم فقال لا أفارقك اليوم حتى تعطيني حقي فمضى اليوم، ولم يفارقه، ولم يعطه حقه لم يحنث، وإن فارقه بعد مضي اليوم لا يحنث؛ لأنه وقت للفراق ذلك اليوم، وتمام مسائلها فيها. (قوله: لا يأكل طعام زيد أو لا يدخل داره أو لا يلبس ثوبه أو لا يركب دابته إن أشار وزال ملكه، وفعل لم يحنث كالمتجدد، وإن لم يشر لا يحنث بعد الزوال وحنث بالمتجدد، وفي الصديق والزوجة حنث في المشار بعد الزوال، وفي غير المشار لا وحنث بالمتجدد) بيان لمسائل الأصل فيها أنه إذا حلف على هجران محل مضاف إلى فلان كلا يكلم عبد فلان أو زوجته أو صديقه أو لا يدخل داره أو لا يلبس ثوبه أو لا يركب فرسه أو لا يأكل طعامه أو من طعامه فلا شك أن هذه الإضافة في الكل معرفة لعين ما عقد اليمين على هجره سواء كانت إضافة ملك كعبده وداره ودابته أو إضافة نسبة أخرى غير الملك كزوجته وصديقه فالإضافة مطلقا تفيد النسبة والنسبة أعم من كونها نسبة ملك أو غيره فلا يصح جعل إضافة النسبة تقابل إضافة الملك كما في الهداية وغيرها؛ لأنه لا تقابل بين الأعم والأخص إلا أن يكون مخصوص عرف اصطلاحي، وإذا كانت هذه الإضافة مطلقا للتعريف فبعد ذلك إما أن يقرن به لفظ الإشارة كقوله لا أكلم عبده هذا أو لا فعلى تقدير عدم الإشارة الظاهر أن الداعي في اليمين كراهته في المضاف إليه، وإلا لعرفه باسمه العلم ثم أعقبه بالإضافة إن عرض اشتراك مثل لا أكلم راشدا عبد فلان ليزيل الاشتراك العارض في اسم راشد فلما اقتصر على الإضافة، ولم يذكر اسمه، ولا أشار إليه كان الظاهر أنه لمعنى في المضاف إليه، وإن احتمل أن يهجر بغضا لذاته أيضا كالزوجة والصديق فلا يصار إليه بالاحتمال وحينئذ فاليمين منعقدة على هجر المضاف حال قيام الإضافة وقت الفعل بأن كان موجودا وقت اليمين ودامت الإضافة إلى وقت الفعل أو انقطعت ثم وجدت بأن باع وطلق ثم استرد أو لم يكن وقت اليمين فاشتري عبدا فكلمه حنث. وكذا لو لم تكن له زوجة فاستحدث زوجة والحاصل أنه إذا أضاف، ولم يشر لا يحنث بعد الزوال في الكل لانقطاع الإضافة ويحنث في المتجدد بعد اليمين في الكل لوجودها، وإذا أضاف، وأشار فإنه لا يحنث بعد الزوال والتجدد إن كان المضاف لا يقصد بالمعاداة، وإلا حنث، ولم يذكر المصنف العبد للاختلاف فالمذهب أنه كالدار؛ لأنه لا يقصد بالمعاداة وروى ابن سماعة أنه كالصديق ووجه الظاهر أن العبد ساقط الاعتبار عند الأحرار فإنه يباع في الأسواق كالحمار فالظاهر أنه إن كان منه أذى إنما يقصد هجران سيده بهجرانه، وفي بعض الشروح لا أتزوج بنت فلان لا يحنث بالبنت التي تولد بعد اليمين بالإجماع، وهو مشكل فإنها إضافة نسبية فينبغي أن تنعقد على الموجود حال التزوج فلا جرم أن في التفاريق عن أبي يوسف إن تزوجت بنت فلان أو أمته على الموجود والحادث كذا في فتح القدير، وأطلق المصنف في زوال الملك في المسألة الأولى فشمل ما إذا زالت الملك من المحلوف عليه إلى الحالف كما إذا حلف لا يأكل طعامك هذا فأهداه له فأكله لم يحنث في قياس قول أبي حنيفة وأبي يوسف، وعند محمد يحنث، وكذلك في بقية المسائل لا فرق في الزوال بين أن يكون إلى الحالف أو لا كذا في الذخيرة، ولو حلف لا يأكل من غلة أرضه فأكل من ثمن الغلة حنث؛ لأنه في العرف يسمى آكلا غلة أرضه، وإن نوى أكل نفس ما يخرج منها صدق ديانة، وقضاء؛ لأنه نوى الحقيقة كذا في الذخيرة أيضا. ولو حلف لا يأكل من كسب فلان فالكسب ما صار له بفعله كأخذ المباحات أو بقبوله في العقود فأما الميراث فليس بكسبه؛ لأن الملك يثبت فيه بغير صنعه فلا يضاف إلى كسبه فإذا حلف لا يأكل من كسب فلان فورث المحلوف عليه شيئا، وأكل الحالف لا يحنث، ولو اشترى الحالف من المحلوف عليه مما اكتسبه المحلوف عليه، وأكله لم يحنث؛ لأن شرط الحنث أكل مكسوب فلان، وهذا أكل مكسوب نفسه فلو وهبه له أو تصدق به عليه، وأكله حنث، ولو مات المحلوف عليه وترك مالا اكتسبه وورثه رجل فأكله الحالف حنث؛ لأن الثابت للوارث عين الثابت للمورث، وكذلك لو ورثه الحالف، وأكله حنث؛ لأنه كسب فلان الميت قال في الواقعات بخلاف قوله مال فلان الميت وبخلاف ما لو انتقل إلى غيره بغير الميراث بشراء أو وصية حيث لا يحنث؛ لأنه صار كسبا للثاني. ولو حلف لا يأكل من ميراث فلان فمات المحلوف عليه ثم مات وارثه وورثه غيره فأكله الحالف لم يحنث؛ لأن بالإرث الثاني ينتسخ حكم الأول، ولو حلف لا يأكل من ميراث أبيه شيئا فاشترى بما ورث طعاما، وأكله حنث، ولو اشترى بالميراث شيئا واشترى بذلك الطعام طعاما، وأكله لم يحنث، ولو حلف لا يأكل من ملك فلان أو مما ملكه فلان فخرج شيء من ملكه إلى ملك غيره، وأكله الحالف لا يحنث، وكذلك لو حلف لا يأكل طعام فلان، ولو حلف لا يأكل مما يشتري فلان فاشترى لنفسه أو لغيره، وأكله الحالف يحنث، ولو باعه المحلوف عليه ثم أكل الحالف لا يحنث؛ لأن الشراء الثاني فسخ للأول، ولو حلف لا يأكل من مال فلان فغصب منه حنطة فطحنها أو دقيقا فخبزه، وأكله يحنث هكذا ذكر في موضع من المنتقى وذكر في موضع آخر منه لا يحنث، ولو قال لا آكل من طعام فلان فغصبه منه، وأكله حنث، ولو حلف لا يأكل مما زرع فلان فباع فلان زرعه، وأكله الحالف يحنث؛ لأن الزراعة لا يفسخها الشراء، ولو حلف لا يأكل من طعام فلان، وفلان بائع الطعام فاشترى منه، وأكل حنث الكل من الذخيرة والفرع الأخير، وارد على قول المصنف، وإن لم يشر لا يحنث بعد الزوال فيقيد كلام المصنف بأن لا يكون فلان بائع الطعام، وعلله في الواقعات بأنه يراد به طعامه باسم ما كان مجازا عرف ذلك بحكم دلالة الحال، وكذا هذا في قوله لا ألبس من ثياب فلان، وهو نظير قوله لا آكل من مال أبوي بعد موتهما. ا هـ. وفي الذخيرة أيضا لو حلف لا يأكل من طعام فلان فأكل من طعام مشترك بينه وبين غيره يحنث لإطلاق الطعام على القليل والكثير بخلاف الدار والثوب، ولو حلف لا يأكل من خبز فلان فأكل من خبز بينه وبين غيره يحنث بخلاف ما إذا حلف لا آكل من رغيف فلان فأكل من رغيف بينه وبين آخر لا يحنث؛ لأن اسم الخبز يطلق على القليل والكثير، ولا كذلك اسم الرغيف، ولو حلف لا يأكل من طعام فلان فأكل من طعام مشترك بين الحالف وبين فلان لا يحنث؛ لأن ما أكل الحالف هو من حصته، ولو حلف لا يزرع أرض فلان فزرع أرضا بينه وبين غيره حنث؛ لأن كل جزء من الأرض يسمى أرضا، ولا كذلك الثوب والدار فإن كل جزء من الدار لا يسمى دارا، وكذلك كل جزء من الثوب لا يسمى ثوبا. ا هـ. وفي الواقعات حلف لا يأكل لحما يشتريه فلان فاشترى سخلة وذبحها فأكله الحالف لا يحنث؛ لأن فلانا ما اشتراه بعدما صار لحما، ولو حلف لا يأكل من طعام فلان فأكل من خله بطعام نفسه أو بزيته أو بملحه حنث؛ لأنه أكل من طعامه، ولو حلف لا يأكل من مال ابنه، وكان بينه وبين ابنه حب من خل فأكل منه يحنث؛ لأنه أكل من مال الابن. ا هـ. ويحتاج حينئذ إلى الفرق بين الطعام والمال كما لا يخفى، وفي الواقعات أيضا قال إن أكلت من مال ختني شيئا فامرأتي طالق فدفع إليه عجين ختنه فجعل في عجين آخر وخبزه فأكل لا يحنث؛ لأن العجين قد ذهب. وكذا لو حلف لا يشرب من شرابه، ولا يأكل من لحمه فأخذ ماء، وملحا للمحلوف عليه وجعلهما في عجين لا يحنث إذا أكل من ذلك الخبز؛ لأن ذلك قد تلاشى، ولو حلف لا يأكل من كسب فلان فأكل كسرة مطروحة في بيت المحلوف عليه فإن كانت الكسرة بحال لا يعطى مثلها الفقير لا يحنث، وإن كان بحال يعطى مثلها الفقير يحنث. ا هـ. ثم اعلم أن ما في المختصر إنما هو عند عدم النية، وأما إذا نوى شيئا فهو على ما نوى؛ لأنه محتمل كلامه، وفي الذخيرة حلف لا يأكل من طحن فلان أو من خبزه فهذا على الماضي والمستقبل، وكذلك قوله: مما خبز فلان مما اشترى فلان على الماضي والمستقبل. ا هـ. (قوله: لا يكلم صاحب هذا الطيلسان فباعه فكلمه حنث)؛ لأن الإنسان لا يمتنع عن كلام صاحب الطيلسان لأجل الطيلسان فكانت الإضافة للتعريف فتعلقت اليمين بالمعرف، ولهذا لو كلم المشتري لا يحنث وذكر الطيلسان للتمثيل؛ لأنه لو قال لا أكلم صاحب هذه الدار، وهذا الطعام فالحكم كذلك كما في الذخيرة قيد بهذه اليمين؛ لأنه لو حلف لا يلبس طيلسان فلان فهو كقوله لا يلبس ثوب فلان، وفيه التفصيل السابق والطيلسان معرب تيلسان أبدلوا التاء طاء من لباس العجم مدور أسود لحمته وسداه صوف. (قوله: الزمان والحين، ومنكرهما ستة أشهر)؛ لأن الحين قد يراد به الزمان القليل قال الله تعالى: {فسبحان الله حين تمسون}، وقد يراد به أربعون سنة قال تعالى: {هل أتى على الإنسان حين من الدهر}، وقد يراد به ستة أشهر قال تعالى: {تؤتي أكلها كل حين}، وهذا هو الوسط فينصرف إليه، وهذا؛ لأن القليل لا يقصد بالمنع لوجود الامتناع فيه عادة والمديد لا يقصد غالبا؛ لأنه بمنزلة الأبد، ولو سكت عنه يتأبد فتعين ما ذكرناه، وكذا الزمان يستعمل استعمال الحين فيقال ما رأيتك منذ حين، ومنذ زمان بمعنى واحد، وهذا إذا لم تكن له نية أما إذا نوى شيئا فهو على ما نوى؛ لأنه حقيقة كلامه، ولا فرق في ذلك بين الزمان والحين، وهو الصحيح كما في البدائع أطلقه فشمل الإثبات والنفي فإذا قال لأصومن حينا أو الحين فهو كقوله لا أكلمه حينا أو الحين، وفي فتح القدير ويعتبر ابتداء الستة الأشهر من، وقت اليمين بخلاف قوله لأصومن حينا أو زمانا كان له أن يعين أي ستة أشهر شاء وتقدم الفرق. ا هـ. وأشار المصنف إلى أنه لو قال لا أكلمه الأحايين أو الأزمنة بالجمع فهو على عشر مرات ستة أشهر كما في شرح الطحاوي، ولو قال لا أكلمه كذا، وكذا يوما فهو على أحد وعشرين يوما، ولو قال كذا كذا فهو على أحد عشر، ولو حلف لا يكلمه بضعة عشر يوما فهو على ثلاثة عشر يوما؛ لأن البضع من ثلاثة إلى تسعة فيحتمل على أقلها، ولو حلف لا يكلمه الشتاء فأول ذلك إذا لبس الناس الحشو والفراء وآخره إذا ألقوها في البلد الذي حلف فيه والصيف على ضده، وهو من حين إلقاء الحشو إلى لبسه والربيع آخر الشتاء، ومستقبل الصيف إلى أن ييبس العشب والخريف فصل ما بين الشتاء والصيف والمرجع في ذلك إلى اللغة. ولو حلف لا يكلمه إلى الموسم قال يكلمه إذا أصبح يوم النحر؛ لأنه أول الموسم وغرة الشهر ورأس الشهر أول ليلة ويومها، وأول الشهر إلى ما دون النصف وآخره إذا مضى خمسة عشر يوما، ولو قال لله علي أن أصوم أول يوم من آخر الشهر وآخر يوم من أول الشهر فعليه صوم يوم الخامس عشر والسادس عشر كذا في البدائع. (قوله: والدهر والأبد العمر ودهر مجمل) يعني لو حلف لا يكلمه الدهر معرفا أو الأبد معرفا أو منكرا فهو العمر أي مدة حياة الحالف، وأما الدهر منكرا فقد قال أبو حنيفة لا أدري ما هو، وقالا هو كالحين، وهذا هو الصحيح خلافا لما يقوله بعضهم من أن الاختلاف بينهم في العرف أيضا لهما أن دهرا يستعمل استعمال الحين والزمان يقال ما رأيته منذ دهر، ومنذ حين بمعنى واحد وأبو حنيفة توقف في تقديره؛ لأن اللغات لا تدرك قياسا والعرف لم يعرف استمراره لاختلاف في الاستعمال والتوقف عند عدم المرجح من الكمال، وقد توقف أبو حنيفة في أربعة عشر مسألة كما في السراج الوهاج، وقد نقل لا أدري عن الأئمة الأربعة بل عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن جبريل عليه السلام كما في الشرح وبهذا علم أن العلم بجميع المسائل الشرعية ليس بشرط في الفقيه أي المجتهد؛ لأن الشرط التهيؤ القريب كما بيناه أول الكتاب. وأشار المصنف إلى أنه لو قال لا أكلمه العمر فهو على الأبد، واختلف جواب بشر بن الوليد في المنكر نحو عمرا فمرة قال في لله علي صوم عمر يقع على يوم واحد، ومرة قال هو مثل الحين ستة أشهر إلا أن ينوي أقل أو أكثر، وفي البدائع أن الأظهر أنه يقع على ستة أشهر. (قوله: والأيام، وأيام كثيرة والشهور والسنون عشرة، ومنكرها ثلاثة) بيان لأقل الجمع في باب الأيمان، وهو على وجهين إما أن يكون معرفا أو منكرا فإذا كان معرفا كما إذا حلف لا يكلمه الأيام أو الجمع أو الشهور أو السنين انصرف إلى عشرة من تلك المعدودات، وكذلك لا يكلمه الأزمنة انصرف إلى خمس سنين؛ لأن كل زمان ستة أشهر عند عدم النية، وهذا كله عند أبي حنيفة، وقالا في الأيام ينصرف إلى أيام الأسبوع، وفي الشهور إلى اثني عشر شهرا، وفي الجمع والسنين والدهور والأزمنة إلى الأبد؛ لأن اللام للعهد إذا أمكن، وإن لم يمكن فهي للاستغراق والعهد ثابت في الأيام والشهور كما ذكرنا، ولا عهد في خصوص ما سواهما فكان للاستغراق، وهو استغراق سني العمر وجمعه، وله أنه جمع معرف باللام فينصرف إلى أقصى ما عهد مستعملا فيه لفظ الجمع على اليقين، وهو عشرة؛ لأنه يقال ثلاثة رجال، وأربعة رجال إلى عشرة رجال فإذا جاوز العشرة ذهب الجمع فيقال أحد عشر رجلا إلى آخره، وإنما اعتبر أقصى المعهود، وإن كان ما دونه معهودا أيضا؛ لأنها لاستغراق المعهود؛ لأن المعهود كل مرتبة من المراتب التي أولها ثلاثة، وأقصاها عشرة، ولا معين فالحاصل أنهم اتفقوا على أنها للعهد لكن اختلفوا في المعهود فهما قالا المعهود الأسبوع والسنة، وهو قال العشرة نظرا إلى أنها أقصى المعهود، وقد أطال في فتح القدير في بيانه إطالة حسنة وتعرض للرد على ابن العز، ولسنا بصدد ذلك، وفي الذخيرة لو قال والله لا أكلمك الجمع، ولا نية له فله أن يكلمه في غير يوم الجمعة؛ لأن الجمع جمع جمعة، وهو اسم خاص لليوم الذي تقام فيه الجمعة سمي به لاجتماع الناس فيه لإقامة هذا الأمر فيه فلا يتناول غيره من الأيام كما لو قال لا أكلمك الأخمسة والآحاد والأثانين، وإن نوى أيام الجمعة نفس الأسبوع فهو على ما نوى. وذكر في النوادر أن من قال علي صوم جمعة إن نوى يوم الجمعة يلزمه صوم يوم الجمعة لا غير، وإن نوى أيام الجمعة يعني الأسبوع أو لم تكن له نية يلزمه صوم الأيام السبعة بحكم غلبة الاستعمال يقول الرجل لغيره لم أرك منذ جمعة فعلى رواية النوادر صرف الجمعة إلى أيامها دون يوم الجمعة خاصة، وعلى رواية الجامع الصغير صرف الجمعة المطلقة غير مقرونة باليوم إلى يوم الجمعة خاصة؛ لأن هذا الاستعمال فيما إذا ذكرت الجمعة مطلقة بلفظ الواحد أي لا بلفظ الجمع حتى قال مشايخنا: إذا قال والله لا أكلمك جمعة ينصرف اليمين إلى الأيام السبعة لا إلى يوم الجمعة خاصة كما ذكر في النوادر. ا هـ. فتبين بهذا أنه إذا حلف لا يكلمه الجمع يترك كلامه عشرة أيام كل يوم هو يوم الجمعة لا أنه يترك كلامه عشرة أسابيع كما قد يتوهم قال في التبيين ثم الجمع معرفا، ومنكرا يقع على أيام الجمعة في المدة، وله أن يكلمه فيما بين الجمعات، وأما الجمع المنكر فذكر المصنف أنه إن وصفه بالكثرة فهو كالمعرف كقوله لا أكلمه أياما كثيرة؛ لأنه لما وصفه بالكثرة علم أنه لم يرد به الأقل، وهو الثلاث فينصرف إلى المعهود كالمعرف باللام فعنده للعشرة، وعندهما للأسبوع. وعلى هذا لو قال إن خدمتني أياما كثيرة فأنت حر فعنده للعشرة، وعندهما للأسبوع، وإن لم يصفه بالكثرة انصرف إلى ثلاثة على ما ذكر في الجامع من غير خلاف، وهو الصحيح؛ لأنه ذكر لفظ الجمع منكرا فيقع على أدنى الجمع الصحيح، وهو ثلاثة وذكر في الأصل أنه على عشرة أيام وسوى بين منكر الأيام، ومعرفها بخلاف السنين منكرا فإنه على ثلاثة اتفاقا كما في البدائع، ولم يذكر المصنف الجمع المضاف، وفيه تفصيل ففي الذخيرة لو حلف لا يركب دواب فلان أو لا يلبس ثيابه أو لا يكلم عبيده ففعل بثلاثة مما سمى يحنث، وإن كان لفلان ثياب ودواب، وعبيد أكثر من ثلاثة فرق بين هذا وبين ما إذا حلف لا يكلم زوجات فلان لا يكلم أصدقاء فلان لا يكلم أخوة فلان حيث لا يحنث ما لم يكلم الكل مما سمى. والفرق أن في الفصل الأول المنع في فلان لا لمعنى هذه الأشياء فتتقيد اليمين باعتبار منسوبين إلى فلان، وقد ذكر النسبة باسم الجمع، وأقل الجمع ثلاثة أما في الفصل الثاني المنع لمعنى في هؤلاء فتعلقت اليمين بأعيانهم وصار تقدير المسألة لا أكلم هؤلاء فما لم يكلم الكل لا يحنث، وإن نوى الحالف في الفصل الأول الدواب كلها والغلمان كلها يدين فيما بينه وبين الله تعالى، وفي القضاء؛ لأنه نوى حقيقة كلامه كذا في الزيادات وظاهره أنه لا يحنث بواحدة في الكل. وفي نوادر ابن سماعة عن أبي يوسف أنه لا يحنث بالواحد في بني آدم ويحنث في غيره فإذا حلف لا يكلم عبيد فلان، وله ثلاثة فكلم واحدا منهم لا يحنث ويمينه على الكل بخلاف لا أركب دوابه، ولا ألبس ثيابه، وفي الواقعات قال والله لا أكلم أخوة فلان، وله أخ والأخ واحد فإن كان يعلم يحنث إذا كلم ذلك الواحد؛ لأنه ذكر الجمع، وأراد الواحد فإن كان لا يعلم لا يحنث؛ لأنه لم يرد الواحد فبقيت اليمين على الجمع كمن حلف لا يأكل ثلاثة أرغفة من هذا الحب، وليس له فيه إلا رغيف واحد، وهو لا يعلم لا يحنث. ا هـ. وقيد المصنف بالأيام ونحوها؛ لأنه لو قال والله لا أكلم الفقراء أو المساكين أو الرجال فكلم واحدا منهم يحنث؛ لأنه اسم جنس بخلاف قوله رجالا أو نساء كذا في الواقعات ففي المنكر لا فرق بين الكل، وأما في المعرف فإنه ينصرف للمعهود إن أمكن، وإلا فهو للجنس؛ لأن الألف واللام إذا دخلت على الجمع، ولا عهد فإنه يبطل معنى الجمعية كقوله لا أشتري العبيد لا أتزوج النساء كما عرف في الأصول، وفي الذخيرة الأصل أن الحكم إذا علق بجمع منكر كعبيد ورجال ونساء يتعلق وقوعه بأدنى الجمع الصحيح، وهو الثلاثة دون المثنى، ومتى علق بجمع معروف بالألف واللام يتعلق بأدنى ما ينطلق عليه ذلك الاسم عند عامة المشايخ إذا لم يكن ثمة معهود كالحكم المعلق باسم الجنس، وعند بعض المشايخ ينصرف إلى كل الجنس. ا هـ. وفي تهذيب القلانسي، وأما الأطعمة والنساء والثياب يقع على واحد إجماعا، ولو نوى الكل صحت نيته. ا هـ. وفي الظهيرية لو قال والله لا أكلمك كل يوم من أيام هذه الجمعة فكلمه في تلك الجمعة ليلا أو نهارا مرة واحدة حنث به، ولو قال والله لا أكلمك في كل يوم من أيام هذه الجمعة لا يحنث حتى يكلمه في كل يوم، ولو ترك كلامه يوما واحدا لا يحنث، وإن كلمه كل يوم لا يحنث إلا مرة واحدة لاتحاد الاسم، ولو حلف لا يكلم فلانا أيامه هذه قال أبو يوسف هو على ثلاثة أيام، ولو قال لا أكلمه أيامه فهو على العمر، ولو قال لا أكلمك يوما بعد الأيام عن محمد إن كلمه في سبعة أيام لا يحنث، وبعد السبعة يحنث، والمعنى فيه على أصل محمد ظاهر. ا هـ. والله أعلم.
|